الطفل لا يكذب ولكنه يجمّل الواقع
أنا لم أكسر الصحن بل وقع وحده»، «لم آكل الحلوى بل العصفور». بهذه الطريقة يخلّص الطفل نفسه منالعقاب إذا ما ارتكب خطأ عن قصد أو عن غير قصد. فهل هو يكذب أم أنه يحاول تكييف العالم لرغباته منأجل حماية نفسه؟ لماذا يخترع الطفل هذه القصص؟
الطفل يكذب لأنه لا يمكنه التمييز بين الواقع والخيال يفاجأ الأهل بقدرات الطفل على اختراع أمور غيرموجودة بطريقة منطقية رغم علمهم بأنها غير صحيحة، مثل «العصفور الذي أكل الحلوى» ، بل قد يضحكونأحيانًا على القصة التي اخترعها الطفل ليخلّص نفسه من العقاب. فهل يمكن القول إنه يكذب؟
إعتدنا نحن الراشدين أن نواجه الكذب بالحقيقة ندين الشخص الكاذب، فيما التمييز بين الحقيقة والكذب أصعب مما نتصوّر بالنسبة إلى الطفل. فهو حين يكذب يكون مأخوذًا بخياله، ويصدّق ما يقوله.
فمثلاً عندما يهرول رامي مسرعًا نحو والدته قائلا لها إنه رأى شقيقه نبيل ثمانية أشهر يمشي، فهو يعتقد أن نبيل نهض من كرسيه وتوجّه نحو الصالة، لأنه يرغب في أن يرى رفيقه المستقبلي في اللعب يكبر.
فرامي بكل بساطة يحوّل أحلامه إلى واقع. وعلى الأهل ألا ينسوا أن الطفل يستغرق سنوات ليصبح قادرًا على التمييز بين الواقع والخيال.
إذ يسيطر عليه الفكر الخيالي، وبالتالي ينسب إلى أفكاره قوّة خارقة. فهو عندما يشيّد أحلامه، لا تكون قوانين الواقع موجودة بالنسبة إليه، ولكن هذا لا يعني إنه يكذب بل يصدّق خياله، فالطفل صادق دائمًا حتى عندما ينكر الواقعة التي أمامه.
مثلاً عندما يكسر الإناء الذي تحبه والدته، يدّعي أن أحدهم دفعه وهو في قرارة نفسه يصدّق هذا الإدعاء، فعندما تكون كلمات الطفل غير صحيحة، على الأهل أن يفتّشوا في ما يشعر به وفي استقباله للأمور حوله.
الطفل يكذب لأنه
1 يرغب في إسعاد أهله
كلما اقترب الطفل من السن التي يصبح فيها مدركًا للواقع (أي بين الخامسة والسادسة)، يدرك معنى الكذب. وهذا لا يعني أنه سيمتنع عن الكذب.
بل لديه أسباب وجيهة لتحريف الحقائق لأنه يرغب في إسعاد أهله، وبالتالي لا يريد إزعاجهم بتصرّفات يدرك مسبقًا أنها تغضبهم فيقوم بكل بساطة بتغيير الوقائع، فهو مثلاً يعرف أن والدته تنزعج إذا لم يتناول وجبة السناك المدرسيّة التي حضرتها له، فيقول لها أنه تناولها وكانت لذيذة لأنه يعرف ستنزعج إذا لم يأكلها.
2 كي لا يخيب ظن أهله فيه
يرغب الطفل في أن يكون على قدر توقّعات أهله أو أكثر مما يتوقّعونه فيُجري تغييراً طفيفاً كي لا يخيب ظنهم، مثلاً يعرف الوالدان أن ابنهم لم ينل علامة مرتفعة في الإملاء، فيعمد هذا الإبن إلى تزوير علامة الإمتحان كي يسعدهم ويفاجئهم فيضيف إلى علامة 3 رقم واحد.
3 يكذب للتخلّص من العقاب
غالبًا لا يتردد الطفل في إنكار الحقيقة، خصوصًا إذا كان يعرف مسبقًا أنه سيعاقب أو يحرم من شيء يحبه، إذا قام بتصرّف غير مقبول. كم مرّة يسمع الأهل عبارة «لست أنا من فعل ذلك».
الكذب طريقة لتجميل الواقع
1 إخفاء حقيقة مزعجة
يسمح الكذب أحيانًا للطفل في إخفاء واقع يشعره بالخجل. مثلاً كأن يكون والداه مطلّقين أو يعيش في بيئة فقيرة. هنا يكذب على أصدقائه، مثلاً يدّعي أن لديه الكثير من الملابس الجميلة، ولكن والدته لا تسمح له بارتدائها في المدرسة.
2 جذب انتباه الآخرين
الكذب بالنسبة إلى طفل ليس لديه أصدقاء وسيلة ناجحة لجذب الإنتباه إليه. فكم من كذبة ليس هدفها سوى أن يتحوّل صاحبها إلى شخصية مهمة في عيون الآخرين!. مثلاً أن يدعي الطفل أمام شخص يريد لفت انتباهه أنه رافق والده في رحلة صيد.
3 التعبير عن حقيقة مخبأة
تخفي الكذبة التي يقولها الطفل أحيانًا حقيقة مشاعره. فمثلاً عندما يدّعي الطفل أنه يشعر بألم في معدته في كل مرّة يذهب إلى التمارين الرياضية، فهذا مؤشر لحقيقة أو ألم نفسي يشعر به الطفل وعلى الأهل أن يفهموا السبب ولمَ لا يقول الحقيقة كما هي.
يكذب لأنه يخفي حماقة ارتكبها
أحيانًا يدّعي الطفل أن أحدًا غيره ارتكب الحماقة. فمثلاً عندما يكسر الإناء يقول لوالدته أن شقيقه من كسره، ومن غير المفيد في هذه الحالة أن تقول له والدته مثلاً ، أنه لم يكن يوجد أحد غيره في المكتب، لأنه سيصرعلى موقفه، بل عليها أن تمنحه الفرصة ليقول الحقيقة من دون خوف، كأن تقول له لا أعتقد أن أخاك من كسر الإناء، هل أنت واثق مما تقوله؟» وعليها تهنأته إذا ما اعترف بحماقته، فهذا يشجعه على قول الحقيقة. فإرغامه بالقوّة على قول الحقيقة يشجعه على الكذب مرة ثانية.
الراشدون نموذج الطفل
يكذب الأطفال أيضًا لأنهم يقلّدون الراشدين، فهم يتنبهون إلى محاولات أهلهم لإخفاء الحقيقة، فمثلاً عندما يطلب الأب من الأم أن ترد على الهاتف وتدعي إنه غير موجود في حضور الطفل، فإنه سيقلّد والده. لذا على الأهل أن يكونوا نموذجًا للصدق والأمانة كي يتجنبوا تقليد أبنائهم لهم. وهذا ليس بالأمر السهل، فتحوير الحقيقة أمر يقوم به الراشدون مرّات عدة.
كيف نجعل الطفل يقول الحقيقة؟
لسلوك الأهل تجاه أكاذيب طفلهم دور في جعله يتخلّى عن عادة الكذب أو العكس. ويكون ذلك من خلال إعطاء قيمة لقول الحقيقة حتى ولو كانت محرجة أو مؤذية، والإصرار على طفلهم بعدم الكذب دائمًا مهما كانت العواقب.
فإذا كان الأهل يعاقبون الطفل بشكل دائم عندما يكتشفون كذبه أو لمجرد أنه تصرّف بشكل سيئ، فإنهم يعززون لديه عدم الثقة بهم والانزواء على نفسه، وبالتالي يجد في الكذب طوق النجاة الذي يخلّصه من العقاب المحتّم.