هذه هي قصة القفطان المغربي

يتذكر المغاربة تلك الأغنية التي اشتهرت في الأربعينيات من القرن الماضي، والتي تمتدح جمال المرأة المغربية وتتغزل بها. لكنها ليست أي امرأة، بل سليلة القصور والمجالس الخاصة، في تلك اللازمة المشهورة التي تقول” قفطانك محلول آلالة”، ومعناها “انتبهي أيتها السيدة عالية المقام، فلقد رأيتك ترتدين قفطانا بدون حزام”، وارتداء قفطان بهذا الشكل دلالة على نوع من التحرر غير مسموح به للمرأة في وقت كانت فيه السيادة للرجل.

لكن أيننا نحن من كل هذا؟ لقد خضع القفطان المغربي الذي كان يخاط على يد أمهر الخياطين في فاس وفي تطوان وفي الرباط، إلى تحولات وتطوير كبير، رفعه من مجرد قطعة لباس إلى دلالة على هوية ثقافية ذات مرجعيات عربية أندلسية اختلطت بمكونات الثقافة المغربية المحلية، ومنها العنصر اليهودي، ذلك أن أمهر الخياطين على الإطلاق كانوا من اليهود المغاربة، كما كان منهم الصاغة وتجار القماش.

القفطان المغربي
القفطان المغربي

مجد غابر

يرجع بعض المؤرخين أصول القفطان التقليدي المغربي إلى الموسيقار زرياب، بأناقته التي كانت مضرب الأمثال.
لكن هذا المجد الغابر بقدر ما أثار شهية المصممين الغربيين في اقتناص فسح أخرى لابتكاراتهم وتصاميمهم المستوحاة من أوصول خياطة القفطان المغربي، بقدر ما حرك هوامش أخرى للدفاع عن الوجود الأصلي والصافي لهذا اللباس الأسطوري الذي ارتبط بفردوس العرب المفقود.
وأثار القفطان إعجاب المصممين العالميين، من أمثال بالمان وإيف سان لوران وجون بول غوتييه وغيرهم، مما لفت انتباه نساء من ثقافات وجغرافيات وجنسيات متعددة، ودفعت به عروض الأزياء التي تنظم داخل المغرب وخارجه، قدما إلى الأمام. وأصبحت تلك المناسبات مثل مهرجان قائم الذات.
لكن أكبر تطوير للقفطان المغربي تمثل في جعله يستجيب لمعطيات الحياة المعاصرة، ولشروط

أثار القفطان إعجاب المصممين العالميين، من أمثال بالمان وإيف سان لوران وجون بول غوتييه وغيرهم
” المرأة المغربية العاملة. فلم تعد النساء يقعدن البيت كما في السابق، وبالتالي فرضت مجريات الحياة المعاصرة أن يقع تحول يتماشى ومتطلبات حياة العمل، وتبعا لذلك صار القفطان قصيرا أكثر وبأكمام أقل اتساعا، ومن قطعة واحدة بدل ثلاث قطع أو قطعتين، كما اختصرت الألوان المبهرجة والتطريزات إلى أبعد حد، وتم الاستغناء عن الحزام.

نجمات شهيرات بالقفطان

في إطار الترويج للقفطان المغربي، لم يتورع المصممون على إلباس تصاميمهم إلى نجمات معروفات، وممثلات ومغنيات عربيات، بل وأحيانا تخصيصهن بتصميم مبتكر.
فالممثلة الأميركية سوزان ساراندون، مثلاً، ظهرت في مهرجان مراكش الدولي للفيلم، في قفطان ذهبي، ومن بين كل القفاطين التي استمتع بها جمهور المهرجان، بدا القفطان الذي لبسته ساراندون الأبهى والأجمل.
أما عربياً، فقد أثارت، صور هيفاء وهبي وهي تختال في قفطان مغربي، فضولاً كبيراً. وكانت الفنانة اللبنانية قد صرحت وقتها أنها شعرت وهي تلتقط بالقفطان صوراً تذكارية بنخوة المرأة المغربية. أو عندما غنت المطربة المصرية شيرين عبد الوهاب في مهرجان موازين مرتدية قفطانا مصمما من طرف المصممة المغربية الشهيرة سميرة الحدوشي.

من لباس إلى موضة
استغرق تطوير القفطان المغربي وقتا طويلا، فهو في البداية لم يكن إلا قطعة لباس واحدة ، قبل أن يتحول إلى قطعتين، تسمى الأولى بـ “التحتية”، وهي من ثوب أقل سمكا به تطريز قليل، وتلبس فوقها قطعة أخرى تسمى” الفوقية”، وبها زخارف أكثر، وتتميز أساسا بالطرز عن طريق “السفيفة”، ويستغرق وقت شغلها زمنا أطول، وفيها تتبدى مهارة الخياط المغربي التقليدي.
لكن عصرنة القفطان التي بدأت بطيئة، سرعان ما بلغت جرأة في التصاميم، في السنوات الأخيرة، حركت المخاوف من أن يتحول القفطان التقليدي، المعروف بطابعه الجمالي والأنثوي وطوله، الذي يستر جسم المرأة، إلى تقليعات جديدة لا علاقة لها بفخامة عصر زرياب الأندلسي ومغنياته الجميلات.
واليوم نرى أن الموديلات المقترحة في القفطان تتميز بالتنوع، بما في ذلك الأثواب والتطريز

عصرنة
القفطان التي بدأت بطيئة، سرعان ما بلغت جرأة في التصاميم، في السنوات
الأخيرة

” وأصالة التفصيل تسحر العين وتجذب عشاق هذا النوع من اللباس التقليدي المغربي.
صناعة القفطان المغربي تشكل قطاعا قائم الذات، ويضم كما هائلا من المختصين في هذا المجال من مصممين ومبدعين في مجال الخياطة والتطريز وخبراء في تنسيق الألوان.
“سيري موض” أو عروض الأزياء، أصبحت اليوم مصاحبة للتقليعات الجديدة، والتطور الجنوني في فصالة وخياطة القفطان المغربي، وفي التصاميم التي ينفذها خبراء في مجال الخياطة من خريجي المدارس العليا في فن الخياطة المغربية والأوروبية ومن كبريات بيوت الأزياء العصرية.

رجال ونساء في هوى القفطان

من بين المصممات المغربيات الشهيرات اللواتي برزن بتصاميمهن الجريئة والمبتكرة، هناك مريم بن عمور ومديحة بناني وخديجة بلمليح وذهب بن عبود و أمينة البوصيري وسهام الهبطي وسميرة حدوشي وزينب اليوبي ونسرين الزاكي بقالي.
لكن مجال تصاميم القفطان المغربي، ليس كما نتخيل مهنة نسائية فحسب، بل مهنة رجالية من خلال بروز العديد من المصممين المغاربة الذين صارت لهم شهرة عالمية أمثال المصمم المغربي نبيل الدحاني والمصمم محمد الخضر، وهؤلاء غالبا ما يقدمون تصاميم للقفطان المغربي تتميز باقتراحات شديدة الجرأة، وبمزاوجة بين الأصالة والمعاصرة دون التخلي عن المنطلقات التقليدية للقفطان المغربي من حيث المواد المستعملة أو القصات، التي وإن تميزت أحيانا ببعض الجنوح نحو ثقافات غربية أو آسيوية ، فإنها ظلت مع ذلك تمسك العصا من الوسط، حتى لا تضيع خصوصية القفطان المغربي ولا هويته.
ومن أمثلة ذلك استلهام الكيمونو الياباني أو الأكمام المكسيكية أو بعض مكونات الشلة الخليجية أو خطوط ورسوم أمازيغية أو لمسة إسبانية في الصدر الضيق والأسفل الواسع، أو بعض أشكال اللباس الأوروبي وبالأخص ألبسة الزفاف باعتماد الذيل الطويل، وهي كلها أشكال دخيلة على القفطان المغربي لكنها إضافات تمليها أحيانا روح العصر والتطلع نحو التجديد، وهو ما يشكل أحد مقومات الخياطة العليا، أو كما يطلق عليها الفرنسيون” لاهوت كوتير”.

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقا