لماذا يطلب الأولاد أن يناموا قرب أهلهم؟
هل طلب الطفل أن ينام قربكما ظاهرة صحية أم غير صحية؟ وهل هناك دلالة نفسية يجب أن يتنبه الأهل لها؟ وكيف على الأهل التصرف بدون أن يؤذوا أولادهم نفسياً وروحياً
أيّ أمّ لم تتعرّض لهذا الطلب المفاجئ: «أمي، هل أستطيع أن أبقى معك هذه الليلة” إنّ هذه الرغبة، لدى الطفل، بمقاسمة سرير الأهل تظهر منذ عمر الثمانية عشر شهراً وحتى منذ عمر الأربعة عشر شهراً لدى البعض. هل هذا يدلّ على بداية القلق عند الطفل حول الحياة والوجود؟
المرور بتجربة الوحدة
كتبت «فرانسواز دولتو»: «أثناء النوم، يرغبون في العودة إلى حياة الجنين، قرب الأب والأم، كي لا يشعروا بالوحدة التي يشعر بها كل كائن يعرف أنه يتحوّل إلى فتاة أو إلى صبي ويطلب بالتالي أن يكتمل كيانه بكيان الآخر».
ومن الطبيعي، في البداية، أن تمثّل اللحظات، الواقعة بين نور النهار وسواد الليل، مصدر قلق للأطفال، في الوقت الذي يدخلون فيه عالم النوم بخطى بطيئة. فإنّ الطفل يعيش هذه العودة إلى الهدوء بمثابة انقطاع عن حياة الجماعة واللعب والضجيج والضوء. وحتى يعيش الطفل أول تجربة للوحدة قبل أن ينام، وهي تجربة ضرورية، لا غنى عنها.
ما العمل؟
عليك أن تكوني واضحة مع نفسك. ربما أنت معتادة، منذ عودتك من دار التوليد، على أن ينام الطفل معك، أو أنك قلقة من حصول موت الرضيع المفاجئ أو من حوادث أخرى؟ أو ربما، بكل بساطة، أنت لا تستطيعين الآن، بعد مرور كل هذا الوقت، أن تقولي لطفلك: «يجب أن تنام لوحدك».
إنّ ذلك يشكّل ظاهرة اجتماعية ويؤكّدها علماء النفس قائلين إنه يصعب على الأهل، يوماً بعد يوم، مقاومة الضغط الذي يقوم به الأطفال تجاههم أو الطلبات المتزايدة التي يوجّهونها إليهم. فهناك أولاً الأهل الذين يعملون وعندما يعودون إلى المنزل في وقت متأخّر، يرغبون في إرضاء طفلهم عند التلاقي من جديد. وهناك الوالدان المنفصلان اللذان يريان الطفل كل منهما على حدة. وشرحت إحدى عالمات النفس المنتمية إلى معهد الأهل والمربّين أنّ «الأب المنفصل أو المطلّق يجد صعوبة في دوره كمربٍّ ولا يستطيع أن يقول «لا» عندما يرى طفله في نهاية الأسبوع، مرّة واحدة كل أسبوعين!»
علماً بأنّ السرير هو رمز الثنائي ومكان الأهل، كيف بوسعك أن تلقّني طفلك الرغبة في أن يكبر في الوقت الذي أنت تضعين أمامه صورة وحدتك؟ حتى في غياب الزوج، عليك أن تتركي المكان شاغراً في السرير.
هل تعتقدين أنّ وجود الطفل معك في السرير يطمئنه؟ كلا، لأنك تصلين بذلك إلى نتيجة معاكسة. فوجوده معك يعني أنّك تؤكّدين له: «إنّ مخاوفك في محلّها، سأبقى معك لأنك خائف وأنت محقّ في ذلك». كما أنّ لذلك وقعاً سيئاً آخر، إذ إنّ بقاء الطفل معك في السرير أثناء الليل يُحدث لديه خللاً في توازنه ويفقد بالتالي المعالم الجغرافية والرمزية؛ فأين هو مكانه بالتحديد إذاً؟ هل هو طفل أم أنه شريك؟
ناقشوا الأمر معه
«من الهام أن تستطيع النوم لوحدك، وهذا برهان على أنك تكبر وباستطاعتك البقاء لوحدك، والتفكير لوحدك بأمور كثيرة، وأن يكون لديك أسرار خاصة بك. إنها مناسبة للتفكير بما حصل خلال النهار المنصرم، وللتأمّل في الأشياء التي أحببناها والأشياء التي كرهناها، وباللحظات الحلوة مع الأصحاب. إنّ ذلك يشكّل نوعاً ما بناء كيان لنا. فعندما نكون لوحدنا نتعرّف على حقيقة ذاتنا بشكل أفضل.
الطفل الذي ينام يومياً مع أمّه هو طفل يبقى رضيعاً، ويشبه نبتة تحتاج إلى عصا كي تبقى مستقيمة. وهذا يحول دون أن نتقدّم أو نكبر.
«إنّ والديك بحاجة لأن يكونا معاً. فهما يلتقيان في المساء ولديهما حياتهما الخاصة كونهما ينتميان إلى فئة الكبار. ينام الأولاد مع الأولاد والكبار مع الكبار. ولاحقاً سوف تنام أنت مع الشخص الذي سوف تحبّ».
وإذا وجدتماه في الصباح منحصراً فيما بينكما في السرير، عليكما كوالدين أن تذكّراه حالاً بالقواعد السارية. وإذا أصبح ذلك عادةً لديه، عليكما أن تُبديا ردّة فعل إنما بالتروّي؛ بالمقابل، بإمكانكما القبول بمداعبة صغيرة، أثناء عطلة نهاية الأسبوع، إذا أطلتما النوم في الصباح. من غير الضروري «تكريس» السرير إلى درجة منعه منعاً باتاً على الطفل، ولكن عليه أن يفهم أنّ هذه اللحظات تبقى استثنائية