عادات و تقاليد المغاربة في المولد النبوي، رحلة عبر تراب المملكة
يستعد عموم المغاربة هاته الأيام لاستقبال ذكرى المولد النبوي الشريف الذي يصادف 12 من ربيع الأول من كل عام هجري جديد، وهي ذكرى يجدد من خلالها المغاربة ارتباطهم الوثيق بأفضل خلق الله محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم، ذي الخلق الرفيع، معلم البشرية، وقدوة الإنسان على امتداد الزمان والمكان، الشافع المشفع صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
جذور احتفال المغاربة بهاته المناسبة العظيمة يعود إلى مطلع القرن السادس الهجري، ذلك أن أبا العباس العزفي السبتي المتوفى سنة 633ه/1236م، كان أول من دعا إلى الاحتفال بعيد المولد النبوي الكريم، ويذكر في مقدمة الكتاب الذي بدأ تأليفه «الدر المنظم في مولد النبي المعظم» الحافز الذي حذا به إلى الدعوة لهذا الاحتفال؛ ملاحظته متابعة المسلمين ومجاراتهم للنصارى في احتفالهم بأعيادهم، فدفعته غيرته على الإسلام والمسلمين في الأندلس وخوفه على هويتهم ودينهم، إلى أن يفكر في ما يدفع هذه المناكر ولو بأمر مباح. فكان أن انتبه إلى ضرورة العناية بمولد النبي الكريم، مما جعله يطوف على الكتاتيب القرآنية بسبتة، ويشرح لصغارها المغزى والغايات الفاضلة من هذا الاحتفال، كما حض على تعطيل قراءة الصبيان في هذا اليوم العظيم. وهكذا انطلق هذا الاحتفال كشكل من أشكال مقاومة التقليد الديني للمسيحيين.
غير أن العادات التي درج عليها المغاربة في الاحتفال بهاته المناسبة، يعترض العديد من المغاربة على تسميتها ب “عيد “، لمبررات ودواعي شرعية، بل أن هناك العديد من الذين يشنعون على المغاربة احتفالهم بهاته الذكرى، على اعتبار أنها بدعة محدثة ليس لها أصل في الدين، ولم تكن زمن الرسول وصحابته، وينحو هذا النحو جملة التيار السلفي ومن ناصرهم..
في جولة لنا في جل المناطق المغربية، نقبنا عن عادات المغاربة خلال ذكرى المولد النبوي الشريف وطريقة احتفالهم بهذا الموروث الثقافي والشعبي.
سعيد منطقة سطات والنواحي..
جهة الشاوي ورديغة وتحديدا منطقة سطات ونواحيها، تشارك المغاربة احتفالهم بهاته المناسبة، هذا ما عبّر عنه سعيد السطاتي، حيث اعتبر أن للنساء دور كبير في هاته المناسبة، فالأم تقوم صبيحة العيد باكرا لتحضير الفطور المكون من البغرير، والشيار الممتزج بالعسل، وغالبا ما يلبس الجميع أجمل الحلل والملابس ويتبادل الأهل والجيران الزيارة فيما بينهم، ليتوج يوم يوم العيد بقصعة كسكس عند الظهيرة يكون مسكا للختام..
عبدالقادر.. المولد النبوي بنكهة قاسمية ..
أما عبدالقادر طالب جامعي من مدينة سيدي قاسم، يعتبر أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس فيه فرق كبير بينه وباقي العيدين المعروفين الأضحى والفطر، قائلا ” إننا نقوم بنفس العادات والتقاليد والأعراف، عدا الصلاة في المصلى، وذلك أن من كان مسافرا في مدينة أخرى يأتي لزيارة عائلته، وفي صبيحة المولد النبوي نتبادل التهاني والزيارات بين الأقارب والأصدقاء، فيما يرتدي الأطفال ثيابهم الجديدة، ويجتمع الناس في المسجد، ويحضر الطلبة لقراءة القرآن الكريم،وبعض الأمداح النبوية، ويقومون بإفطار جماعي بأكلة تسمى “الرزة”.
قاسم شاب سلفي.. احتفالات زائفة..
وجهة نظر مغايرة، عبر عنها ” قاسم ” وهو واحد من الشباب السلفيين، حيث اعتبر أن كل دعوات الحب والتعظيم لقدر النبي صلى الله عليه وسلم التي تظهر في هاته المناسبة هي زائفة مجانبة للصواب، خاصة حين نقارن حال هؤلاء المحتفلين، من حيث مدى تمسكهم بدين الإسلام في مختلف مظاهر حياتهم الدينية والسياسية والاجتماعية، فهم غارقون في المخالفات الشرعية، إذ الكثير منهم لا يحافظ على الصلوات، منتهك للمحرمات، واقعون في مظاهر الشرك المختلفة من دعاء الأموات من الصالحين من دون الله، والاستغاثة بهم والاستنجاد بهم في قضاء الحوائج، معتبرا أن من أبرز مظاهر عدم تعظيمهم الفعلي لقدر النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم، تواطؤ الكثير منهم على تعطيل شرعه، وتغيب سنته في التحاكم عند الاختلاف والتنازع في الأمر، وتحكيمهم بدل ذلك القوانين الوضعية.
عبدالسلام، منطقة تيزنيت.. وللمديح النبوي موعد..
منطقة سوس، والأمازيغين عامة لا يخلفون الموعد مع هاته المناسبة النبوية، إذ يتم إحياء الليلة بأكملها في أجواء إيمانية يطبعها الكرم والذكر والتزاور، إذ يتم إحياء ليلة المولد النبوي في مسجد القرية وذلك عبر قراءة قصائد الأمداح النبوية وأهمها ثلاثة ” البوصريتان الهمزية والبوردة ” وقصيدة الإفراني و مطلعها : برح الخفاء وصرح الوجد “” وبدا الذي ما خلته يبدو
فيما تقوم النساء بإعداد وجبة الكسكس والطواجن، والاجتماع عليه وإرسال أنصبة منه إلى المسجد أو المدارس العتيقة، ليتم تناوله مع طلبة المسجد وساكنة القرية ، الذين يقضون ليلة كاملة في المديح حتى صباح الفجر الموالي في بعض المدارس العتيقة..
فاطمة شرق الممكلة .. حناء و حلويات..
فاطمة شابة من شرق المملكة، وتحدديا مدينة وجدة عاصمة الشرق، استهلت حديثها لهبة بريس، بالقول أن ” صبيحة المولد النبوي تبتدئ بإشراقة تنير وجوه الوجادة، ابتسامة نابعة من الجنان فرحا بيوم ميلاد خير الرسل محمد صلوات الله عليه، و لكل طريقته في الاحتفال، فالطفل يعبر عن عيده بإشعال ما يسمى بالمحارق و شراء اللعب، أما الطفلة فلا تراها إلا وهي منهمكة بترديد الأمداح ممسكة بدربوكتها بأناملها الصغيرة المزينة بالحناء، أما الأمهات فيحضرن ما طاب من الحلويات، و كذا أكلة بركوكش، ليتم زيارة الأهل والأقارب مساء اليوم”.
أم البراء.. وتربية النشئ على حب النبي محمد..
أم البراءة، امراة متعلمة وميسورة تعيش حياتها بطريقة عصرية من مدينة سيدي سليمان، تحرص على أن تقضي هذا اليوم رفقة أبنائها بطريقة تعليمية تثقيفية، قائلة في تصريحها لهبة بريس ” كل بيت يقضي طقوس هذه الذكرى بتعبيره عن مدى حبه لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبدوري أحرص في هذا اليوم على الإعداد لمسابقة ثقافية في السيرة النبوية في مثل هاته المناسبة، وهي طريقة اعتدنا عليها خلال كل ذكرى للمولد النبوي، كما أقدم هدايا رمزية للجميع، بما في ذلك رب الأسرة الذي يشارك هو الآخر في هاته المسابقة. وبعد الانتهاء نحرص جميعا أن نتحلى بصفاته الكريمة، خاتمة كلامها بالقول ” أنا زوجة مطيعة أقضي هذا اليوم مع حماتي. حيث نتناول مجموعة من المأكولات الشعبية التي نفتقدها أحيانا “.
هدى فتاة البيضاء.. فرصة لإحياء صلة الرحم..
بمدينة البيضاء لا تختلف اجواء العيد كثيرا عن باقي المدن، هذا ماقالته هدى لهبة بريس، المهم يتم المهم يتم التحضير مسبقا له و ذالك 6 ايام قبل حلوله. يتم اعداد حلويات العيد و شراء الملابس الجديدة للاطفال الذين تتراوح اعمارهم ما بين الشهر الاول الى حدود 17 سنة .اما صباح العيد فله طعم خاص .ففي الصباح الباكر تقوم الام باعداد مائدة الفطور و التي تكون ممتلئة بكل انواع الطعام امسمن .البغرير.حلويات .حرشة .كيك.. اما الاب فيخرج لصلاة الفجر اما الصغار فيبقون نائمين الى الساعة 10 .بعد استقاظهم تقوم الام بالباسهم منتظرين الاب على الفطور . يدخل الاب بابتسامة كبيرة و التي يرسمها على كل اهل البيت بعد القائه لتحية العيد (مبروك عيدكم و يسلم عليهم فردا فردا)ثم تجتمع الاسرة الصغيرة الاسرة الصغيرة على المائدة .بعد إنهاء الفطور، حسب الظروف إما أن يستقبل أهل البيت ضيوفا أو يكونون ضيوفا لبيت آخر .المهم أن هذا العيد يكون فرصة لاحياء صلة الرحم.
أم هدى بتاونات .. أسبوع للإعداد..
ساكنة مدينة تاونات تقوم بالتهيئ لهاته الذكرى العظيمة أسبوعا قبل حلولها،هذا ما أفادت به أم هدى، حيث يتم شراء كل ما يلزم لهذه المناسبة من ملابس حسب المستطاع، و اختيار الدجاج الذي سيتم ذبحه و في ليلة العيد تضع الفتيات الحناء في يدها . وفي صبيحة العيد يقوم الناس فجرا كما المعتاد في أي بادية فيتوضؤون من أجل الصلاة، أما بالنسبة للنساء فإنهن بعد الوضوء يطلقن الزغارد ثم يقمن بتهييء الإفطار الذي يحتوي على الشاي و القهوى و الملوي و خرنكو و يجمعون أطفال الدوار على أكلة تسمى بالعصيدة أو تشيشة، و تكون بزيت الزيتون أو السمن البلدي و بعدها تجتمع العائلات..
مركز جمعة إداوسملال.. عمق الأمازيغ..
بمركز جمعة إداوسملال عمق الامازيغ جنوب المغارب، يكون الاحتفال على أشده بذكرى المولد النبوي، إذ تتم ختم السلكة القرآنية وتلاوة الأمداح النبوية، وتخلله وليمة غذاء يقدمة بعض المحسنين، وفي مساء نفس اليوم ترى غالبية سكان الدواوير يتوجهون قبل صلاة المغرب إلى مساجد الدواوير حيث يعقد ما يسمى بالمعروف والمدح، فمن جهة تشارك السملاليات في تحضير الطعام وتوفير الضيافة لمن سيشاركون في تلك الليلة التي ستخصص للعبادة والصلاة، بعد صلاة المغرب يشرع المصلون في تلاوة القرآن الكريم وعدد من الأمداح النبوية والقصائد بالأمازيغية كما تتلى البوردة والهمزية بالطريقة السملالية المميزة، ويستمر هذا الأمر حتى أذان صلاة العشاء، وفي عدة دواوير ترى العشرات يتوجهون إلى المساجد لقضاء تلك اللية هناك، كما تسمع مكبرات الصوت بمآذن المساجد وهي تصدح بتلك التلاوات المميزة التي تقوم تلك الجبال الشامخة المحيطة بتكبيرها أكثر، حيث يعكس صداها جوا من الخشوع والسكينة في النفوس.
هاته هي الأجواء التي يقضي بها مختلف المغاربة أجواء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حرصنا أن نقدمها للقارئ الكريم، قصد الاطلاع والإفادة، وأفضل طرق الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو أن يكون احتفالنا في مستوى صاحب الذكرى، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، في تمثل الأخلاق الفاضلة، والمعاملة الحسنة، والقدوة الطيبة، والسلوك الحميد، والتدين الصحيح . على سولنا أفضل صلاة وسلام وتبريك.