رحيل فوزية سلامة بعد صراع مع المرض

انتقلت إلى رحمة الله الإعلامية فوزية سلامة الصحافية والكاتبة ومقدمة البرامج التلفزيونية في الساعة الواحدة من صباح الاثنين بعد صراع طويل مع مرض السرطان في العاصمة البريطانية لندن حيث كانت تقيم، وستدفن في القاهرة.

وقد تخرجت السيدة فوزية في جامعة القاهرة وسافرت إلى آيرلندا للالتحاق بالدراسات العليا في مجال الأدب الإنجليزي حيث حصلت على درجة الماجستير من كلية ترينيتي بدبلن، ثم عملت في كثير من المطبوعات العربية ورأست تحرير مجلة «سيدتي» الصادرة عن الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، ثم شاركت في تقديم برنامج «كلام نواعم» الذي تبثه قناة «إم بي سي». وكانت تكتب مقالا أسبوعيا كل خميس في صحيفة «الشرق الأوسط»، كان آخره في العاشر من يوليو (تموز) الجاري، كما شاركت في عدد من برامج القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية.
والراحلة فوزية سلامة متزوجة من الدكتور الطبيب مجدي عمر ولها ابنة واحدة هي عبلة الشرنوبي الناشرة الموسيقية في لندن.

وقد ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما «فيسبوك» و«تويتر» بتعليقات الكثير من الإعلاميين الذين عملوا معها طوال السنوات الماضية، بالإضافة إلى بعض المشاهدين الذين كانوا يشاهدون برامجها التلفزيونية، والقراء الذين كانوا يتابعون ما تكتبه في الصحافة المطبوعة.

وذكرت الإعلامية منى أبو سليمان التي شاركت في تقديم {كلام نواعم} أن «الحب يدوم للأبد، ولا يموت. والمحبون يعلمون أنه لا يوجد وداع».
وأضافت لـ {الشرق الأوسط} أن فوزية سلامة «كانت إنسانة غير عادية ومميزة. كانت ببساطة (الحب). لقد جسدت ذلك في حياتها. وكانت تحب الحياة والناس وتحب وطنها مصر وتحب مساعدة الآخرين».

وأشارت منى أبو سليمان «لقد أحببناها جميعا. لقد جعلت محبتها أمرا سهلا. وتكاد لم تنتقد أحدا ولم تصدر أحكاما وقبلتنا جميعا بعيوبنا. لقد أصبحت أما لي ورانيا برغوت وفرح بسيسو. الأمر الذي لم أتحقق منه، إنها كانت أما للجميع الذين احتاجوا إليها».

وتتذكر منى أبو سليمان أن فوزية سلامة كانت شخصية مرحة فقد منحت العاملين في برنامج كلام نواعم «أسماء دلع تحدد صفاتنا الشخصية بطريقة مميزة، ولكنها ذات طريقة عميقة جدا. لقد جعلت كلا منا يشعر بالتميز».

وتضيف أن أفضل اللحظات عندما كنا نتناول الإفطار في الفندق قبل الذهاب للاستوديو. أنا وهي وفرح. كنا نتحدث عن حياتنا، خلال طلاقي ولأنها مرت بنفس التجربة التي أعيشها: أم عاملة مطلقة في قطاع الإعلام، كنت أستمع إليها عندما شرحت لي خبرتها. كانت تكشف عن أشياء عميقة، لا يتحدث عنها أحد، وهو ما ساعدني في حياتي حتى الآن. ولم تحاول الامتناع عن كشف خباياها للحفاظ على هيبتها، كما يفعل الكثير، وهو الأمر الذي جعلني أشعر أنني لست وحيدة}.

أما الزميل الصحافي بكر عويضة قال لـ«الشرق الأوسط» أنه تذكر أن فوزية استهلت رثاءها للزميلة نورا فاخوري في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بقولها في {حياتك وحياتي لحظة قد تمر من دون أن تدرك أنها مرت». وأضاف أنه استعاد عبارتها عندما «بلغني نبأ رحيلها الحزين».

وأوضح عويضة «لقد أسعدني الحظ بلقائها والعمل معها منذ بدايات مشوار الغربة اللندنية عندما جمعنا معا، وزملاء وزميلات آخرين، الصحافي الكبير رشاد بشير الهوني تحت سقف صحيفة العرب في لندن».

واختتم بكر عويضة انطباعاته بقوله «يبقى الأمل أن يكون لاسم فوزية سلامة مكانه الدائم في قلوب زملاء وزميلات ارتقوا عندها إلى مراتب الأصدقاء، وبعضهم (أنا أحدهم) صارت جزءا من نسيجهم العائلي بأفراحه وأحزانه. حقا تدمع العين ويحزن القلب بوداعك أم عبلة لكن ليس لنا لا اللجوء لما يرضي الله».
وقد بدأت فوزية حياتها المهنية في صحيفة «العرب» اللندنية، ثم انتقلت للعمل في مجلة «سيدتي» نائبة لرئيس التحرير قبل أن تتولى رئاسة تحريرها عقب استقالة رئيسة التحرير آنذاك فاتنة شاكر.

ثم عادت مرة أخرى للعمل في صحيفة «الظهيرة» المسائية التي كانت تصدر من الشركة السعودية للأبحاث والتسويق في لندن. ومن ثم عملت في {مجلة الشرق الأوسط} وقد غيرت اسمها لـ{الجديدة}.
وعقب ذلك انتقلت للعمل في برنامج «صباح الخير يا عرب» الذي تقدمه شبكة تلفزيون «إم بي سي» عندما كانت مقرها لندن.
وعقب استقالتها من مجلة «سيدتي» ظلت تحرر صفحة المشاكل في المجلة حيث كانت ترد على مشاكل القارئات وتقدم لهن النصيحة.
* يمكن تقديم التعازي لأسرتها على العنوان الإلكتروني التالي:
Salamafamily2014@gmail.com

* البطة..آخر مقالات فوزية سلامة
* (آخر مقال كتبته فوزية سلامة نشر في {الشرق الأوسط} يوم 10 يوليو {تموز} الجاري)
لم أنكر يوما أنني من محبي الأمثال الشعبية التي تختزل حكمة الشعوب في عبارات قصيرة دالة. وأحد هذه الأمثال يقول «خذوا فالكم من عيالكم».
وقد فعلت قبل بضعة أيام. ففي حديث مع ابنة أختي، وهي من حفظة القرآن ومعلميه، ذكرت لي اسم عبد الله بن المبارك، ولم أكن سمعته من قبل، وروت لي قصة شائعة عنه. قالت إنه كان من التابعين، أي أنه لم يعش في زمن النبوة، وإنما عاصر بعض الصحابة. قالت إنه كان رجلا تقيا محبا للعلم يشتغل بالتجارة، وإنه كان يجود بماله على الفقراء على اختلاف حالهم، وإنه كان يخرج للحج كل عام.
وفي إحدى السنوات جمع ماله وأعد المؤن لقافلة الحج، وخرج يسعى للوصول إلى بيت الله الحرام. وبينما هو في بداية الطريق لمح امرأة متشحة بالسواد عاكفة على نتف ريش بطة ميتة. فسألها «لماذا وقد حرم الله أكل الميتة؟»، فقالت له إنها امرأة توفي عنها زوجها وتركها هي وأربع بنات بلا مال ولا طعام ولا عائل، وإن بناتها جائعات، ففكرت أن تأخذ البطة الميتة وتصلحها وتطعم بناتها.
فمسّ الموقف قلب الرجل وقرر أن يتنازل لها عن الدنانير التي كان أعدها للإنفاق أثناء الحج. وإذا به يدفع بالدنانير إلى حجر المرأة قائلا لها «اشتري طعاما طيبا لبناتك».
وبتنازله عن دنانيره تنازل أيضا عن حجة ذلك العام، وعاد إلى بيته حيث اعتكف. ثم خرج بعد انتهاء موسم الحج لكي يستقبل معارفه وجيرانه العائدين من الحج. وفوجئ بأحدهم يحييه ويقول له «رأيتك في حجر إسماعيل، لكني لم أستطع بلوغ موقعك لأسلم عليك». فدهش عبد الله بن المبارك وظن أن الرجل لمح شخصا كثير الشبه به فاختلط عليه الأمر. ومضى في طريقه إلى أن التقى بجار آخر، فسلم عليه، فإذا بالجار يهنئ ابن المبارك بالحج قائلا إنه رآه أثناء الطواف.
وتكرر هذا ثلاث أو أربع مرات، بحيث ضرب الرجل أخماسا بأسداس، لأنه لم يحج فكيف شاهده هؤلاء الأشخاص الذين شاهدوه في أماكن مختلفة أثناء تأدية المناسك؟
عاد إلى بيته واعتكف يوما كاملا، ثم غلبه النعاس فنام. ورأى في منامه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول له «يا ابن المبارك لقد أغثت الملهوف فأمر الله ملكا أن يحج عنك لكي يكتب لك ثواب الحج».
تلك هي القصة التي روتها لي ابنة أختي التي أعتبرها ابنتي، وهي المتبحرة في شؤون الدين والحافظة للقرآن. وقد يتهمني البعض بالسذاجة، لأنني اعتبرت القصة التي جاءت على لسانها فألا وتوجيها ربانيا اختصني به ربي في شهر رمضان لكي أجود بشيء من مالي لإغاثة ملهوف وإطعام فقير وستر مسكين، فصليت شكرا لله. وفي أول فرصة استخدمت الكومبيوتر للبحث عن سيرة ابن المبارك لتأكيد ما روته لي ابنة أختي.

ولعل أكثر ما أثار دهشتي أن القصة مذكورة على أكثر من موقع، وأن من بين التعليقات التي وردت تعليقا من شخص اتهم كاتب القصة بالسطحية، ونهاه عن الترويج لمثل تلك القصص التي يتداولها من يجلسون على المصاطب قطعا للوقت.

رق قلبي لذلك المتفذلك المصاب بالغرور. فقد نسي أن ثقافة العرب هي ثقافة شفهية بالدرجة الأولى تقوم على تبادل المعرفة عبر الرواية والحديث. نسي أن التعليم يبدأ بمعلم جالس على مصطبة وحوله تلاميذ صغار ينصتون إلى من يعلمهم شفهيا. نسي أن الوحي بدأ بتوجيه شفهي من جبريل عليه السلام، إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أن «اقرأ باسم ربك الذي خلق».
لو اتهمني قارئ تلك السطور بأنني من حزب المصاطب فأهلا ومرحبا بالمصطبة إن دلتني أو دلتكم على خير نفعله ابتغاء مرضاة الله.

لندن: «الشرق الأوسط» ©

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقا