تونسية تحصل على الدكتوراه في سن الخامسة و الثمانين
لم يثن عامل السن التونسية منيرة حمزة عن مواصلة طموحها العلمي وإصرارها على نيل شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي عن عمر ناهز 85 عاماً، لتكون بذلك أول تونسية وعربية تحقق هذا الإنجاز الأكاديمي الفريد من نوعه، وتستعد حالياً لتأليف مجموعة قصصية باللغة الفرنسية لتشارك بها في إحدى المسابقات الأدبية بفرنسا.
وبالرغم من نظرات الاستغراب التي لاحقتها من أبنائها ومحيطها الاجتماعي ظلت السيدة منيرة تخطو شيئاً فشيئاً نحو هدفها بعزيمة وثبات وتمكنت من مناقشة أطروحة الدكتوراه في شهر مايو/أيار الماضي، وأحرزت تقدير جيد جداً مع ثناء لجنة الامتحان.
الطموح العلمي ليس له عمر
“هافينغتون بوست عربي” التقت منيرة في منزلها بالعاصمة التونسية، حيث قالت: “أنا أومن بأن الله خلق الإنسان ليعمل وينجز، وطالما لازال فيّ نفس وصحة سأواصل طموحي العلمي بكل عزيمة وثبات، فذلك غير مرتبط بعمر محدد”، على حدّ قولها.
منيرة التي وُلدت في 11 فبراير/شباط 1930 متزوجة، ولها 4 بنات، بدأت مشوارها التعليمي كمعلمة، ثم واصلت دراستها لتنال شهادة الأستاذية في اللغة الفرنسية ثم دبلوم المرحلة الثالثة، وقضت نحو 40 سنة في التدريس حتى بلوغها سن التقاعد.
وتضيف: “وجدت نفسي بعد إحالتي إلى التقاعد أعيش حالة من الفراغ التي لم أعهدها فقررت أن أواصل تدريس التلاميذ في المعاهد الخاصة وفي بيتي، ثم راودتني فكرة الحصول على شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي، واخترت أديبة فرنسية من القرن العشرين وهي ناتالي ساروت التي أعتبر نفسي مطلعة على أعمالها بحكم حبي الشديد للأدباء والروائيين الفرنسيين، ومن هنا كانت الانطلاقة”.
ومن عجائب الصدف أن تحمل شخصية منيرة في طياتها تشابها مع شخصية الكاتبة محور رسالة الدكتوراه ناتلي ساروت التي لقبت بـ”رائدة الرواية الجديدة” في فرنسا وودعت العالم عن سن ناهز 99 عاماً، فشغفها بالأدب والرواية جعلها تمضي كل عمرها في البحث والكتابة، وبحسب ما كتب عنها فقد “ترهبت” في الكتابة، و”أمضت أعوامها في ما يشبه العزلة الجميلة منصرفة إلى عالمها الذي بنته داخل اللغة”.
بين الاستحسان والاستهجان
منيرة التي تعيش ضمن عائلة مكونة من زوجها، وهو محامٍ أحيل إلى التقاعد و4 بنات متزوجات يحملن شهادات جامعية تراوحت بين الطب والهندسة والمحاسبة وعلم الأحياء، تؤكد أن بناتها لم يستوعبن الفكرة في البداية، خاصة أن “موضوع رسالة الدكتوراه وتخصص الأدب الفرنسي وعلم الألسن مجال ليس بالسهل”، على حد قولها، ولكن في المقابل وجدت منيرة كل التشجيع من زوجها.
رغبة منيرة في الحصول على درجات عُليا من شهادات الأكاديمية وشغفها بالأدب الفرنسي كان حافزاً لها لنيل شهادة الدكتوراه بالرغم من مرورها بلحظات عصيبة سواء وعكات صحية أو مشاغل البيت والأسرة جعلتها تنقطع أحياناً عن استكمال بحثها العلمي، لكنها كانت كل مرة تذلل تلك الصعوبات لتنتهي في أواخر سنة 2015 من إنجاز رسالة الدكتوراه وتناقشها أمام أساتذة جامعيين في كلية الآداب 9 أبريل/نيسان بتونس العاصمة وتحقق حلمها.
منيرة التي قاربت العقد التاسع تستعد الآن لخوض غمار تجربة روائية جديدة، حيث ستدخل عالم الكتابة في إطار مسابقة للكتابة في فرنسا، وتؤكد دوماً أن الأمر بالنسبة لها هو تحدٍّ ومحاولة لإرضاء شغف داخلي لمواصلة العلم والمعرفة.
سر اللياقة البدنية والفكرية
سر نشاطها ومحافظتها على لياقتها البدنية وحضورها الذهني يعود إلى حرصها الدائم على ممارسة الرياضة وأكل غذاء صحي والنوم مبكراً والاستيقاظ مبكراً، كما أنها حريصة على حضور الندوات الفكرية التي تنظمها جمعيات أو صالونات أدبية تنظمها سيدات المجتمع في منازلهن لتبادل الأفكار والآراء.
تكريم رئاسي
منيرة التي كُرّمت من قبل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والذي يقاربها في السن، تحدثت عن موقف طريف حدث لها معه حيث استرجعت أثناء مقابلته في قصر قرطاج ذكريات الحقبة الزمنية التي عايشاها.
وختمت حديثها برسالة للشباب التونسي قائلة: “من دواعي سروري أن يتخذني الشباب قدوة لهم، أعلم أن بعضهم لايزال في عمر الزهور وقد سيطر عليه الإحباط واليأس بحكم الوضع الاقتصادي والسياسي الذي تمر به البلاد، لكني أدعوهم جميعاً للتفاؤل بغدٍ أفضل وعدم الالتفات للخطب التي تحبط العزائم والتعلق بالحلم لآخر رمق”.