المضمة : مجموعة راقية بلمسة تقليدية أنيقة

لا تكتمل أناقة وجمالية الزي التقليدي المغربي من دون  المضمة ، الحزام الذي يلف حول الخصر ويعطي القفطان شكله ويزيد من جمالياته، حتى أضحى ميزة ينفرد بها هذا الزي وإكسسوارا لا يستغنى عنه. فمن دون «المضمة»، لا تكتمل أناقة القفطان.
وتتخذ  المضمة  أشكالا وأنواعا مختلفة، بعضها حافظ على الشكل التقليدي، والبعض الآخر استفاد من التصاميم العصرية، إلا أن أشهرها هي «المضمة البلدية»، التي تثبت عليها جيوب، و«المضمة الفاسية»، نسبة إلى العاصمة الثقافية، وهي المدينة الوحيدة في المغرب التي تصنع فيها «المضمات»، هذا إلى جانب «المضمة» المصنوعة من معدني الذهب والفضة.

ففي 1910 ادخل الأتراك  المضمة  المصنوعة من الفضة إلى المغرب، فانتشرت بشكل واسع بين الأثرياء، الذين طلبوا من الصائغين المحليين تقليدها، إلا أنهم لم يكتفوا بالفضة، بل بدأوا يصنعونها من الذهب. وأوضح بلغازي، محافظ متحف دار بلغازي، أن  المضمة  المصنوعة من الذهب أضرت بشكل كبير بالحلي المغربية الأصيلة، نظرا لاضطرار الصاغة تذويب عدد كبير من الحلي الذهبية للحصول عليها، وهذا ما يفسر ندرة الأنواع القديمة. في عام 1920، استورد اليهود المغاربة  المضمة  من فرنسا، وكانت تعرف بـ «مضمة ليون«، نسبة إلى مدينة ليون الفرنسية.
وذكر بلغازي، أن من بين الأسباب التي جعلت المغربيات يتراجعن عن استعمال «المضمة» المصنوعة من الذهب، أنها كانت تتسبب في تمزيق قماش القفطان المصنوع من الحرير، هذا إلى جانب أن ثمن المضمة الباهظ، الذي لا يزال حتى في الوقت الراهن لا يعتبر اسثمارا جيدا، كونه يفقد قيمته عند بيعه، عوض أن تزيد مثل باقي الحلي الذهبية الأخرى. الخسارة لا تعود في أغلب الأحيان إلى أنها من ذهب، بل لأنها تكون مغشوشة، إذ يعمد الصاغة إلى لصق القطع الذهبية بعضها ببعض عن طريق استعمال ذهب من عيار 14 قيراطا ممزوجا بالنحاس وليس الذهب الخالص، وبسبب ذلك أصبحت المغربيات يفضلن اقتناء «مضمة» من الفضة أو النحاس مطلية بماء الذهب.

يوضح بلغازي، الذي يعرض في متحفه مجموعة نادرة من الحلي المغربية القديمة، أن الأتراك هم من ادخلوا الحزام إلى المغرب، حيث ظهر للمرة الأولى في مدن الناظور وتطوان وشفشاون. مضيفا بأن الرجل كان أول من لبسه. وكان وضع الحزام على الخصر بالنسبة للرجل في البداية لأغراض عملية، فهو يساعده على إسناد الظهر ويجنبه الآلام عند حمل الأشياء الثقيلة، كما كان الحزام المصنوع من الجلد يستعمل لحفظ النقود بداخله أثناء رحلات السفر الطويلة ومن بينها رحلات الحج.

مجموعة من المضمات الراقية بلمسة تقليدية أنيقة

15923_775713695837362_3159582909765592688_n 1374763_775562835852448_5061359878291113816_n 1469860_775714032503995_8454005035823856927_n 1897665_776212215787510_4609488904461904212_n 10384234_775564335852298_6462760351608005519_n 10436242_780764921998906_8373494014441721596_n 10455651_775745452500853_2174724828048513893_n 10940500_780764951998903_6739750540456012525_n 10945718_780764971998901_4055793230902567315_n 10947309_779611555447576_8670492948759191754_n 10955651_780764988665566_8421591604702819652_n

كما كان الجنود وربابنة البواخر يستعملونه، قبل أن يتحول إلى رمز للوجاهة والمكانة الاجتماعية عندما ارتداه الفرسان، الذين كانو ا يتفنون في زخرفته ونقشه، ثم اهتدوا إلى ربطه عن طريق قفل يثبت في الأمام يسمى «الفكرون»، ومعناها بالمغربي «السلحفاة»، لأنه يشبه ظهرها. وكانت «المضمة»بالقفل، إلى جانب «الشكارة»، أي المحفظة، و«الركاب» الذي يساعد الفارس على امتطاء جواده، من الإكسسوارات الأساسية التي يجب أن تكون بحوزة الفارس الحقيقي. وكان صنعها يستغرق ما بين 5 و6 سنوات، ومن هنا انتقلت «المضمة» إلى المرأة، حيث كانت زوجة الفارس تستعير  المضمة  من زوجها، وترتديها عندما تذهب لحضور بعض المناسبات، وتتباهى أمام النساء الأخريات بأنها زوجة فارس.

وسرعان ما بدأت المرأة تغيرها لتتلاءم مع قماش القفطان، فيما احتفظت بالقفل الذي يثبت في الوسط. ويشير بلغازي إلى أن النساء كن لا يستغنين عن هذا الإكسسوار، حتى في الأيام العادية، وهن بداخل البيت. فقد كان أيضا وسيلة تساعدهن على القيام بالأشغال المنزلية، لما لها من دور في إسناد الظهر، وشد البطن بعد الولادة، وكوسيلة آمنة لحفظ النقود والمفاتيح.

ويرى بلغازي أن  المضمة  ظلت خاصية مرتبطة بالزي المغربي غير موجودة في الأزياء الشرقية. وكانت خطوة جريئة من قبل المرأة المغربية لإبراز قوام الجسم، بدل الأزياء الطويلة المسترسلة كالعباءة الشرقية، هذا عدا أن «المضمة» تحل مشكل اختلاف المقاسات، فصاحبة القوام الرشيق يمكنها، مثلا، ارتداء قفطان واسع باستعمال «المضمة» التي تشده وتخفف من اتساعه.
بدورها أكدت مصممة الأزياء نادية التازي، أن الرجل كان أول من لبسها، كما كان يزين بها جواده، ثم ارتدتها المرأة بعده، كإكسسوار أساسي، سواء داخل البيت أو في المناسبات.
وتشير التازي إلى أن المصممين كانوا قد تراجعوا في السابق عن استعمالها، في ظل انتشار موضة القفطان المسترسل من دون حزام، بسبب المدة التي كان يستغرقها صنعها في المقام الأول، إلا انه وبعد انتشار الخياطة التقليدية الراقية، وعودة الاهتمام بكل ما هو تقليدي وأصيل، استرجعت «المضمة» مكانتها.
وتتأسف التازي لكون عدد الحرفيين المختصين في صناعة الأحزمة التقليدية، قليلا جدا، ولا يوجدون إلا في مدينة فاس، الأمر الذي يهدد مستقبل هذه الحرفة ويجعلها في طور الاندثار. داعية إلى تقديم الدعم المالي لهؤلاء الحرفيين من اجل الاستمرار والحفاظ على هذا التراث.

وعن جمالياتها، تقول التازي إن أشهر أنواع «المضمات» هي «المضمة البلدية» المطرزة بالحرير، وتتوفر على جيوب، و«المضمة الفاسية» المصنوعة بـ «الصقلي»، أي خيوط الذهب أو الفضة. وهذه الأخيرة تلائم جميع أنواع الأقمشة، إذ يمكن للمرأة أن تكتفي بشراء واحدة ذهبية وأخرى فضية، وتتناوب على استعمالهما حسب لون قماش القفطان والمناسبة، من دون أن تضطر لشراء «مضمة» جديدة مع كل قفطان.
كما ترى أن سبب تراجع استعمال «المضمة» المصنوعة من الذهب الخالص يكمن في غلاء ثمنها من جهة، ومن جهة أخرى أن معظم النساء أصبحن يفضلن المظهر البسيط غير المبالغ فيه، هذا إلى جانب أن وضع «مضمة» من الذهب الخالص لا يصلح إلا للمناسبات الكبيرة، بينما «المضمة» المصنوعة من الحرير، تبقى عملية ويمكن استعمالها في أي مناسبة. وفي الأخير تنصح التازي المرأة البدينة بتجنب استعمال «المضمة» ذات الحجم العريض التي لا تلائم سوى النحيفات برأيها.

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقا