«الكسكس» و«أتاي» من المغرب إلى الموائد الروسية

المغرب يقترب تجاريا أكثر من روسيا. الوزير المكلف بالتجارة الخارجية يقول إن المملكة لم تأت لتعوض أحدا في إشارة إلى الحصار الذي فرضته موسكو على المواد الغذائية الأروبية بسبب الصراع في أوكرانيا، وإنما لتوثيق علاقات قديمة. وفي «معارض المغرب» التي أقيمت بموسكو تجسد ما قاله الوزير جليا، إذ تأكد أن شيئا فريدا في المطبخ والتقاليد المغربية يستهوي الروس.

بدا المشهد على غير ما اعتاده سُكان العاصمة الروسية موسكو أمام واحد من أكبر الأسواق الممتازة هُناك، وبعد أن زينت واجهته باللون الأخضر والأحمر، وقفت أمامه نساء يلبسن أزياء طويلة ومُزركشة لم يألف الروسيون مشاهدتها على شوارعهم الباردة يوما، فيما تنبعث من جانبه موسيقى لا يفقهون معنى كلماتها، ورائحة طعام تشد أنفك لتدخل -رغما عنك- البناية التي لا يتردد عليها بغرض التسوق إلا أبناء الطبقات الغنية بالعاصمة الروسية موسكو.

الموسيقى الأندلسية ورائحة الطعام المغربي توهمك، منذ الوهلة الأولى، بأن الأمر يتعلق بحفل زفاف مغربي، لكن وسط السوق الممتاز، تكتشف غير ذلك، فبمجرد دُخولك ترى الجميع أفواههم مفتوحة من «غرابة» ما يرونه، بعد أن تحلقوا حول امرأة استغرقت في طهي «المسمن» و«البغرير». وغير بعيد منها جلس شاب وأمامه «براد» يصب منه الشاي، هيأه على الطريقة المغربية، يوزعه على الروس الذين حلوا لاكتشاف ثقافة الطبخ المغربي التقليدي. فيما انهمك ممول الحفلات المغربي، كريم رحال، في إعداد «الحريرة» بـ«السمن البلدي»، بعد أن أتم طهي قصعة «كُسكس» بـ«سبعة خضاري».

كُسكُس، شاي، وأشياء أخرى…

«لا يتعلق الأمر بعروض طبخ وتذوق فحسب، كما أنه لا يتعلق بترويج بعض المنتجات المُستوردة من المغرب، كالشاي والكسكس وزيت الزيتون، بل إنه ترويج مباشر لثقافة عيش وأساليب أكل مغربية»، يقول بابتهاج لـ «اليوم24»، غيوم دوبيي، مدير الوكالة الروسية المنظمة للمهرجان بشراكة مع مركز الإنعاش والتصدير «مغرب تصدير»، موضحا أن هذا المهرجان لا يعد سوى خُطوة أولى نحو مجموعة من العروض الأخرى على مستوى أسواق ممتازة تستهدف فئات اجتماعية مختلفة بالسوق الروسي.

وأوضح المتحدث أن المغرب، نظرا لحرصه على تمثيل جيد لمنتوجاته على مستوى السوق الروسي، عمل على عرض منتوجات «premiums» داخل مجموعة من الأسواق الممتازة، إلى جانب منتوجات مماثلة قادمة من دول أخرى، إلا أنه «سيتم تقديم بعض المنتوجات ذات الأصل العضوي والطبيعي بشكل بارز أكثر»، يردف غيوم، مشيرا إلى أن «عملية استهداف الأسواق التي يتردد عليها أغنياء موسكو سيجعل تسويقها أسهل حينما تعرض بالأسواق العادية، لأنها أخذت مُسبقا صورة جيدة لدى المستهلك الروسي».

وفي هذا الصدد، قال الوزير المنتدب لدى وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي المكلف بالتجارة الخارجية المغربي، محمد عبو، لـ « اليوم24»: «لم نأت إلى موسكو من أجل تعويض أي كان أو أخذ مكان أي كان، المغرب له علاقة تاريخية مع روسيا، والمغرب معروف بمنتجاته الموجهة إلى المستهلك، والموجودة داخل السوق الروسي»، مؤكدا أن «المغرب نهج استراتيجية جديدة تهم تصدير المواد الاستهلاكية إلى روسيا منذ عام 2013، حيث ارتفعت الصادرات المغربية إلى 35 %، وقبل العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا ارتفعت الصادرات المغربية خلال 7 شهور من هذه السنة إلى 50 %».

وفي حديثه، عبر عبو أن المغرب لا يعول فقط على المنتجات الغذائية، ومنها البرتقال الصغير الذي يُعد أول مصدر له في اتجاه السوق الروسية، حيث أشار، في الوقت نفسه، إلى أن «المغرب على أتم الاستعداد، نظرا لعلاقته مع روسيا، لكي يضاعف من صادراته»، إذ أوضح أن «للمغرب مخططات؛ سواء تعلق الأمر بالزراعة أو بالصيد البحري».

مرافقة ومواكبة..

وبحسب مركز الإنعاش والتصدير «مغرب تصدير»، المنظم لهذه المعارض الرئيسية تحت يافطة «مهرجان المغرب»، فالغرض منها هو تعزيز وجود المنتوجات المغربية في السوق الروسية التي تضم أكثر من 140 مليون مستهلك لازالوا -إلى حدود الساعة- غير مستهدفين بشكل جيد من طرف المنتوجات المغربية.

وبحسب نفس المصدر، فإن «مغرب تصدير»، قد عمل من خلال انعقاد هذا المهرجان على مرافقة المنتجين المغاربة مُباشرة نحو السوق الروسية، بخلاف السنوات الماضية التي كان فيها المنتجون يقومون بتسليم بضائعهم لبعض المصدرين، ولا يعرفون مصيرها ولا حتى كيف يتم عرضها، إذ «تم اكتشاف أن البرتقال المغربي يتم عرضه بطريقة غير لائقة، وفي بعض الأحيان تحت ماركات أجنبية»، يضيف مسؤولو «مغرب تصدير»، موضحين أن «وجود كثرة الوسطاء التجاريين في عملية التصدير يُفقد المنتج المغربي عملية المتابعة، وبالتالي إمكانية تطوير المنتوج المغربي أو تقديمه بشكل لائق».

وبغرض تفادي كُل «مشاكل» و «أخطاء» الماضي، عمل «مغرب تصدير»، على ربط المنتجين المغاربة بشكل مباشر مع المركزيات الكبرى للبيع بموسكو، وذلك من خلال «مهرجان المغرب»، الذي يعد -بحسب منظميه- «فرصة لتجربة المنتوجات المغربية لمدة من الوقت، ومناسبة لقياس نسبة تجاوب المستهلك الروسي معها»، مما «سيُساعد المنتج المغربي على تحديد نوعية المنتوجات الجديدة التي يريدها المستهلك الروسي من المنتج المغربي»، بحسب «مغرب تصدير».

ووفق نفس المصدر، فإن المنتوجات المغربية التي يتجاوز عددها 200 منتج، سيتم عرضها في 36 سوقا ممتازا بموسكو ضمن ثلاث سلسلات من المحلات المتخصصة في المنتوجات «البيو» و «الحلال»، طيلة أسبوعين، دون الحديث عن بعض المحلات الغذائية التي أدخلت أطباق مغربية في قائمة الأطباق التي تقدمها لزبنائها.

أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا..

وعلى الرغم من «تثمين» مجموعة من المنتجين المغاربة لهذه الخُطوة إلا أن شعيب زويتن، أحد المغاربة المُشتغلين في ميدان التصدير بروسيا منذ حوالي 18 سنة، يرى أن «هذه البادرة قد جاءت متأخرة بعض الشيء»، موضحا لـ « اليوم24»، أن «المغرب لو علم بأهمية السوق الروسي قبل سنوات لتصدير مجموعة من المنتوجات، من بينها: الكسكس، والشاي، وزيت الزيتون..، لكان، اليوم، من أوائل المصدرين لهذه المواد، على غرار الحوامض التي لا ينازعه فيها –الآن- بالسوق الروسي أحد».

أما أمين خليل، أحد المسؤولين بشركة مغربية لإنتاج الكسكس، فيرى أن «كلام زويتن فيه نوع من الصواب»، لكن «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا»، إذ أوضح في تصريح لـ « اليوم24»، أن «الوقت لازال مناسبا لاستقدام جملة من المنتوجات المغربية التي ستخصص لها بسُهولة مواقع هامة داخل المحلات الروسية»، فيما علل قوله بأن «المنتوجات المغربية تتسم بجودة كبيرة وذوق رفيع، دون الحديث عن تخصص المغاربة في إنتاج البعض منها منذ سنوات»، مردفا: «فلا أحد يُمكنه منافسة المغرب في جودة زيت الزيتون أو الكسكس، لأن هذه المواد جزء لا يتجزأ من ثقافتنا الغذائية».

مباحثات بغرض التعاون..

في الوقت الذي كان فيه الطباخون المغاربة مُنهمكون في إعداد أطباق تقليدية كي يتذوقها الروس، والمنتجون المغاربة يُوضحون مزايا استهلاك الكسكس والشاي وزيت الزيتون المغربي..، كان الوزير المنتدب لدى وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي المكلف بالتجارة الخارجية، محمد عبو، مُستغرقا في مباحثات مع كل من نائب وزير الفلاحة الروسي، ومدير الوكالة الفيدرالية للصيد، إيليا شيستوكوف، ورئيس مجلس الأعمال العربي- الروسي ستينسلاف يانكوفيتش.

اللقاء الذي قال عنه عبو لـ « اليوم24»، إنه «كشف عن وجود رغبة كبيرة من الجانب الروسي لتعزيز وتقوية حضور المنتوجات والصادرات المغربية في السوق الروسية، خاصة فيما يتعلق بالحوامض والخضر والفواكه والمواد المصنعة الأخرى»، موضحا أنه تمت «مناقشة العديد من القضايا المرتبطة بتنويع الصادرات المغربية التي لقيت إقبالا كبيرا بالنسبة للمستهلك الروسي».

وأضاف أن الطرفين اتفقا على ضرورة تكثيف اللقاءات بينهما، وعدم إبقاء مثل هذه التظاهرات الاقتصادية حصرا على العاصمة الروسية موسكو، بل لا بد من توجيهها نحو مدن روسية أخرى.

وأضاف الوزير أن اللقاءين كانا أيضا مناسبة للاعتراف بجودة المنتوج المغربي الذي يحتل مكانة متميزة في السوق الروسية الواعدة، مشيرا -في هذا الصدد- إلى أن المملكة بدأت، فعلا، في تنويع صادراتها الفلاحية ومنتوجاتها الغذائية والبحرية المصدَّرة نحو روسيا.

الحوامض.. المزود الأول..

يعتبر المغرب المزود الرئيسي لروسيا بالحوامض، فهناك أزيد من 60 في المائة من إنتاجه عبارة عن حوامض، ويطمح –حاليا- إلى مضاعفة صادراته إلى هذا البلد ثلاث مرات في أفق 2018.

بلغت قيمة المبادلات بين المغرب وروسيا فيما يخص المنتوجات الغذائية خلال السنة الماضية 2.6 مليار درهم، أي 14 في المائة من القيمة الإجمالية للمبادلات التجارية بين المملكة المغربية وروسيا الاتحادية.

وتمثل المنتوجات الفلاحية 85 في المائة من قيمة صادرات المواد الغذائية الموجهة إلى روسيا؛ 71 في المائة من الحوامض، و12 في المائة من الطماطم، و15 في المائة من منتوجات الصيد البحري التي تتألف جلها من دقيق السمك، في حين يستورد المغرب من روسيا منتوجات فلاحية، أهمها: لب الشمندر بنسبة 55 في المائة، وزيت عباد الشمس بنسبة 20 في المائة.

الطعام في خدمة السياحة..

«نريد من خلال هذه العملية الاقتصادية المُزاوجة بين اللون الرمادي الذي يشتهر به مناخ روسيا، وألوان قوس قزح التي يتميز بها المغرب»، يقول أناتولي كرنستكي، أحد الموزعين الروس، المكلفين بتوزيع المنتوجات المغربية هُناك، موضحا أن شركته لا تريد تقديم طعام مغربي قد يتم تحضيره بطريقة روسية، بل «نطمح إلى تسويق ثقافة عيش مغربية داخل المجتمع الروسي»، بحسب قول المتحدث.

الموزع الروسي، أوضح في حديثه لـ « اليوم24»، أن «عملية استيراد المواد الغذائية من المغرب لا تعني بيع هذه الأخيرة إلى المستهلك وكفى»، بل «نريد من الزبون الروسي حينما يتذوق الكسكس المغربي أو زيت الزيتون أن يُحس بحرارة الشمس المغربية، وأن يتخيل طبيعة المغرب»؛ أي «نريده أن يقول لنفسه، إني سأقوم بزيارة المغرب خلال العطلة المقبلة»، «هذا ما نريده! نريد أن يذهب إلى المكان الأصلي لتواجد هذه المنتوجات كي يتذوقها مباشرة من منبعها الذي هو المغرب»، يوضح المتحدث.

الصادرات المغربية نحو روسيا سنة 2013 في أرقام: بالدرهم

الحمضيات: 1.554.431.574,00

مصبرات الخضر: 386.076,00

القشريات والرخويات: 359.199,00

التوابل: 254.257,00

التوت والفراولة: 215.667.210,00

الفواكه الطرية أو المجففة: 1.892.893,00

دهون وزيوت الأسماك: 2.589.603,00

الزيوت الأساسية والعطرية: 90.165,00

عصير الفواكه والخضر: 4.517,129,00

خضر طرية أو مجمدة: 18.280.292,00

الأسماك الطرية، المجففة، المملحة، أو المبخرة: 106.536.528,60

البطاطس: 12.190.406,00

الطماطم الطرية: 256.327.318,60

 

©.alyaoum24f

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقا