أسرار عن حياة المغفور له الحسن الثاني و كواليس يوم وداعه لشعبه الوفي
يعجز اللسان و القلم عن وصف ذلك الرجل الذكي الذي أبهر العالم بعبقريته ،( فكم أتمنى أن أبلغ سريعا سن 18 سنة لأتمكن من الذهاب للضريح كل يوم) ، فمن خلال بحث طويل إستنتجت أنه ليس من المبالغة في شيء,القول بأن بيت أسرار الحياة الخاصة,للملك الحسن الثاني ظل لمدة طويلة وراء باب ضخم موصود,ومفاتيحه بيد الحسن الثاني,فطوال قرابة الأربعين سنة التي دامها حكمه لم يكن السواد الأعظم للمغاربة يعرفون”قلامة ظفر” بتعبير العرب القدامى,عن الممرات والسراديب المؤدية الى غرفة نوم الحسن الثاني,والأمكنة التي كان يضع فيها عشرات الملايين من العملات النقدية العالمية,وعلى رأسها الدولار و ما هي تفاصيل باقي حياته,من قبيل طقوس وأجواء مشاهدته لأفلام السينما,ومنها حمله لمسدسه حتى في اللحظات الحميمية,وكيف توقف عن السباحة في مسبح القصر,مخافة أن يطاله اغتيال وهو مرتد”مايوه” فقط…ولمادا كانت غرف خادماته في القصر تعج بالصراصير(سراق الزيت)؟؟ولماذا كان(الحسن الثاني دائما) يكره قصري الرباط وطنجة؟؟وماهي حيثيات وتفاصيل تنكره في هيئة عجوز وثياب رثة ليثرثر مع عامة الناس؟؟ والأخطر من ذلك,أساس وتفاصيل الحريق الذي شب في قصره بمراكش بسبب احدى محظياته..ولماذا فكر الحسن الثاني مرة في اعتزال الحكم,وكيف كان يستيقظ حينما ينام شعبه”الوفي” والعكس بالعكس؟؟ولماذا كان يعيش في رعب مقيم من انقلاب ثالث؟؟ وما هي حيثيات تناقض الكثير من سلوكاته في الحياة,ومنها اقباله الشديد على مظاهر البذخ,وفي نفس الوقت كان يتناول طعامه مباشرة على الأرض مفترشا سجادة صلاة…؟؟؟ انها عبارة موجزة تفاصيل مذهلة بغرابتها من الحياة الحميمية للحسن الثاني
“ياله من نظام…ياله من نظام”
سئل الصحافي والكاتب الفرنسي”اريك لوران”,الذي أصبح مشهورا في المغرب بفضل الحوار الذي أجراه مع الحسن الثاني,وصدر في كتاب بعنوان”مذكرات ملك”..سئل مؤخرا,عن بعض الخصوصيات التي استرعت انتباهه في شخصية ةحكم الحسن الثاني,وكان من بين ما قاله..”لقد كان من الذكريات التي أدهشتني مشهد أفراد الحاشية وهم منحنون بزاوية مائة وثمانين درجة مستقيمة امام الملك,في ملعب الغولف,فكان أن قلت في نفسي(يا له من نظام.. يا له من نظام),مرت العديد من السنوات اكتشفت بعدها أن ذلك النظام كان كما تخيلته,بنفس أجواء الضغينة والارتشاء والنذالة والانحطاط وغياب حس الدولة..”,وفي مكان آخر من نفس الحوار,الذي أجرته الصحافية”كاترين غراسييه” مع نفس الصحافي والكاتب الفرنسي,الذي اجتزأنا منه الفقرة أعلاه,قال في سياق آخر”لقد قال لي الحسن الثاني مرة(هل تعرف؟ في السياسة يجب أن يكون الحظ معك,لتأخذ حالة عائلتي كنموذج,فنحن العلويون ننحدر من سلالة النبي.وقد حدث في الزمن الماضي أن كان هناك هجوم للجراد على البلاد,وأتلف كل المحاصيل,استمر الحال على ذلك النحو لمدة طويلة,وحدث في احدى اللحظات أن المسؤولين قرروا أن يمنحوا السلطات السياسية لأحد المنحدرين من سلالة النبي,أي الى أسلافي,وحينما جاء هؤلاء الى السلطة,اختفى الجراد,ان هذا هو الحظ في السياسة)”,وقد علق اريك لوران على ما قاله الحسن الثاني”لقد كان بامكانه أن يقول-أي الحسن الثاني-لقد استجاب الله لطلبنا نحن سلالة النبي فاختفى الجراد لكنه لم يفعل
الحسن الثاني العقلاني كان غارقا في اللاعقلانية
نستنتج من المقتطفين أعلاه,أن شخصية الحسن الثاني كانت بالغة التركيب,حتى لا نقول كلمة أخرى أبلغ,فالشخص ذاته-أي الحسن الثاني-الذي حرص على أن يمنح لصحافي وكاتب فرنسي,فكرة واصحة عن مفهوم”الحظ” في السياسة بما يجعله أقرب الى البراغماتية(النفعية) وليس الى”كرامات” دينية لا توجد الا في أذهان البسطاء من عامة الناس,وهو نفسه الذي كان حريصا,كما أكد ذلك اريك لوران,في الفقرة الأولى المقتطفة من تصريحاته,حيث لم يكن الحسن الثاني يتورع,عن الاحاح على مشاهد العبودية والاستعباد السلطويين,كما درج عليها الحكام الشموليون في القرون الخوالي,وليس القرن العشرين الذي عاش فيه.وهذا معناه أن الحسن الثاني-من خلال المستفاد من الفقرة الثانية من كلام الصحافي الفرنسي-كان شخصا”عقلانيا” حينما يريد,لاسيما أمام الصحافيين الفرنسيين وكبار الشخصيات الأجنبية,كما فعل مع الصحافي لوران,انه من دعاة الحداثة والتطور وغيرها من مصطلحات العصر الايجابية و”التقدمية”,لكن هذا لم يمنعه من أن يمنح لنفس الشخص الأجنبي مشهدا جديرا بمشاهد القرون الخوالي التي كانت تجري احداثها في بلاطات حكام العصور القديمة(أفراد حاشيته وهم يركعون له…).تصورا أن الحسن الثاني ينظر الى كبار معاونيه ووزرائه وهم يركعون أمامه وفي نفس تلك اللحظة التقت عيناه بعيني الصحافي الفرنسي الذي حدثه فيما قبل عن مسألة وصول الحكم الى عائلته بمحض صدفة,حينها ألن يرد لسان حاله”نعم كل هذا سخيف أعرف ذلك لكنه ضروري لاستمرار حظ الحكم الى جانبنا نحن العلويين
ملك حريص على تفاصيل حياته الخاصة
الواقع ان هذين الملمحين,من شخصية الحسن الثاني, يعتبران مناسبين,لفهم كنه الكثير من نقاط العتمة,التي اخترقت فترة حكمه على مدى ثمانية وثلاثين عاما.وليس من شك أن واحدا من أهم ملامح نمط حياة وحكم الحسن الثاني,أو بالأحرى ذلك الذي جسد أبلغ تجسيد تناقضاته الوجودية,يتمثل في مؤثثات حياته الخاصة,وكم هي الأساطير التي ترعرعت في الأذهان والنفوس عن الحياة الخاصة للحسن الثاني,مشفوعة بهذا السؤال الفضولي”ترى ماذا يجري وراء الأسوار المنيعة لقصور الحسن الثاني”؟؟؟ وطبيعي أن الاستجابة لمثل هكذا فضول كانت من رابع المستحيلات,لذا انطلقت المخيلات من أعنتها,وتمت حكاية العديد من الخرافات والأساطير,عن الوتيرة البالغة القسوة والشطط والانغماس في المتع والملذات التي شهدتها حياة الحسن الثاني,وبطبيعة الحال كانت لتلك الأساطير ما يسندها في أرض الواقع,ونعني هنا كل ذلك المنع والتمنع الذي حرص عليه الحسن الثاني في عدم الكشف عن أشكال ومضامين حياته الخاصة لأي كان,وبالتالي كان ذلك الامعان في التخييل الشعبي الذي ذهب الى حد القول بأن الملك السابق كان يختطف الفتيات الجميلات من ذويهن ليعمر بهن قصوره المتناثرة عبر أنحاء المغرب,ومن الغريب أن هذا الخيال لم يذهب بعيدا عن”كشف المستور”,ففي المعلومات التي جمعناها من أكثر من مصدر يشير الى أن ذلك لم يكن مبالغا فيه.وقل نفس الشيء عن الكثير من التفاصيل التي تم”هتك” سريتها من طرف العديد من الشخصيات الأجنبية,سياسية واعلامية,ثم أصبحت فيما بعد معطيات ثمينة تسير بذكرها الكتب والصحف
هتك أسرار الحسن الثاني
ثمة العديد من المعطيات العجيبة والغريبة الى حد الامعان,لم يكن للمغاربة بها علم,مع أنها جرت بين جدران قصور الحكم,هل يعلم السواد الأعظم من المغاربة مثلا أن حريقا مهولا شب ذات يوم من نهاية سنوات ثمانينات القرن الماضي في القصر الملكي بمراكش,الحريق الذي تسببت فيه احدى محظيات الحسن الثاني,وماذا نعرف نحن معشر المغاربة عن وتيرة الحياة الخاصة التي كان يحياها الحسن الثاني,باعتباره حاكما مطلق اليد؟؟
أسئلة كثيرة لن يجد لها المرء أجوبة شافية,لكن ما توفر منها لحد الآن كفيل بدفع من بقي له حس الاستغراب والدهشة أن يفغر فمه على سعته.غير أن الداعي الى المزيد من الشعور بالعجز المحلي في شتى مناحي الشأن العام,هو أن المعطيات الغزيرة المتوفرة عن واحدة من أحلك فترات الحياة العامة المغربية,قد أصبحت متوفرة بفضل اجتهادات اعلاميين أجانب,ونخص بالذكر منهم الفرنسيين,وليس من شك أن ذلك ثم بمساعدة سياسيين أجانب ومغاربة(هم في الحقيقة جنود مجهولون)هالهم ما عاينوه من مشاهد ومعايشات فتخففوا من بعضها,مما تلقفته أيدي أمينة نقلته الى القراء
المغاربة ممنوعون عن معرفة حياة الملك
ويكاد يكون الأمر لازمة مغربية بامتياز,ونعني بها أن أهم ما كتب ويكتب عن المغرب والمغاربة قديما وحديثا يظل من عمل كفاءات أجنبية في مختلف المجالات,نذكر منها أن كتابا لباحث أمريكي هو واتر بوري بعنوان”أمير المؤمنين” صدر منذ العقد السادس من القرن الماضي,مازال حتى الآن أفضل تشريح للسلطة السياسية ببلادنا,كما أن ما يكتب في الاعلام الأجنبي عن المغرب والمغاربة,ما زال يعتبر الأجرأ,والأكثر جدوى,وفي ذلك دلالة على أننا لم نغادر بعد عتبة المحظورات في أكثر من مجال تقوم عليه الحياة العامة للبلاد.واذا كان صحيحا أن لكل قاعدة استثناء,فان الاستثناء بصدد الكتابة عن الحسن الثاني وحكمه,تتمثل في العديد من الشهادات والكتب والمقالات التي تناولت الموضوع من جوانب عدة,نذكر منها مثلا كتاب المؤرخ المغربي المعروف عبد الله العروي”المغرب والحسن الثاني”الصادر مؤخرا,فضلا عن تلك الكتب التب الفها بعض ممن اصطلح عن تلقيبهم ب”ضحايا سنوات الرصاص” وهم ثلة من العسكريين,الذين قضوا زهاء عقدين من الزمن في سجون سرية رهيبة كتازمامارت مثلا,ومنهم محمد الرايس وأحمد المرزوقي…هناك أيضا معتقلو الرأي أمثال أبراهان السرفاتي وعبد الفتاح الفاكهاني…أما بصدد”حميميات” حياة الحسن الثاني,فيمثل كتاب الصحافي الفرنسي جان بيير توكوا”آخر ملك” الصادر منذ زهاء سبع سنوات,المرجع الأهم والأخطر من نوعه,حيث أنه تعرض لجزيئات دقيقة من الحياة الخاصة والعامة للحسن الثاني,وذلك بشكل ضاف ومتوسع فيه,بالرغم من أن الكتاب مخصص في الأصل لوريث الحسن الثاني محمد السادس,ومبرر المؤلف في ذلك,كما قال هو نفسه في توطئة كتابه”لفهم الابن يجب فهم الأب”
كتاب “آخر الملك” تضمن كثيرا من المعطيات عن بعض أدق حميميات الحياة الخاصة للحسن الثاني,وقد اعتمدنا عايه بشكل أساسي,في ايراد البنية العامة للجوانب المؤطرة لهذا الملف.هناك أيضا كتاب مغربي من نفس الطينة المدققة في ايراد بعض المعطيات الناذرة عن الحياة الخاصة للحسن الثاني,بعنوان” حدائق الملك” الذي صدر بفرنسا منذ أزيد من خمسة عشرة عاما,لمؤلفته فاطمة أوفقير,زوجة الجنرال المعروف.وتميزت مؤلفته بجرأة وشجاعة كبيرتين في ايراد العديد من المعلومات الثمينة حقا عن الشخصية المركبة للحسن الثاني,يجد القارىء بعضها هنا,ضمن ما يتصل بملفنا.وقد كان مذهلا حقا أن تقف فاطمة أوفقير عند بعض تناقضات الشخصية المركبة للحسن الثاني,منها مثلا أنه كان مغرما بحياة الفخفخة والأبهة والبذخ,وفي نفس الوقت يفترش سجادة صلاة ليتناول عليها طعامه,مستعملا أدوات بدائية.وأيضا عن علاقته التقليدية بالنساء,حيث حرص على الاحتفاظ ببنية وشكل الحريم كما كان على عهد والده محمد الخامس.
المغاربة كلهم ملوك
يعتقد كاتب السطور أن كل المعطيات المتوفرة لحد الآن عن شخص الحسن الثاني,كرجل سياسة,شاءت الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية,أن يكون على رأس بلد كالمغرب,بسلطات سياسية ودينية واقتصادية…واسعة,قد تبادل مع محيطه(أي الخصوصيات البشرية والثقافية والسياسية للمغرب) أخذا وردا على نحو بالغ الذهاء,للعوامل التي كانت كفيلة بجعل المغرب على هذا النحو الذي نراه,أي”متخلفا خمسين سنة الى الوراء” كما قالت فاطمة أوفقير في كتابها المذكور آنفا.غير أنه”لو لم يجدوكم نعاجا لما كانوا ذئابا”,كما قال منذ أزيد من قرنين المصلح السياسي والاجتماعي العربي المعروف جمال الدين الأفغاني,حيث ان الحسن الثاني وجد الظروف السياسية والاجتماعية”المناسبة”ليحيا,ليس فقط حياته الخاصة الممعنة في أجواء أباطرة الأزمنة الغابرة وحكام القرون الوسطى الشموليين,بل أن يجعل أيضا من أهم اختياراته”الفكرية” والسياسية سمة للنخبة المغربية بشتى مشاربها وألوانها,فكما قال يوما السياسي الحركي العجيب المحجوبي أحرضان للصحافي عمر سليم في برنامجه التلفزيوني”الرجل المعني”,”هل تعرف لماذا نحن المغاربة ملكيون؟؟لأن كل واحد منا ملك في بيته ومعمله وادارته وحزبه وضيعته..”.هل هذا صحيح؟ في الحقيقة يمكن لأحرضان أن يقول ما يشاء,على طريقته”الزايغة” لكن جوهر الأشياء لا يستقيم والقول بأن كل الناس في هذا البلد كانوا ملوكا,أي طواغيت كبار وصغار,فثمة أحد الأحاديث المأثورة يقول”الناس على دين ملوكهم”..وهو ما كان يعيه الحسن الثاني بحدة..لذا فانه فعل كل شيء ليكون نمط حكمه موزعا جيدا في المكان والزمان المغربيين. وقد بدأ من حيث كان يجب أن يبدأ,أي من”أسرتي الصغيرة”كما كان يقول في خطبه.وليس من المبالغة في شيء التأكيد على أنه لفهم الكثير من جوانب شخصية المرء,كيفما كان موقغه,يجدر القاء نظرة متفحصة عليه وهو في اطاره الطبيعي,أي بين أهله,وحقا لقد كان شخص الحسن الثاني”مخلصا” كما سيتبين للقارىء من خلال المعطيات التي جمعناها بهذا الصدد,لنمط نظرته الى الحياة,ليس فقط كما”يجب” أن تكون في محيطه الاجتماعي المياشر,بل في البلد بأسرته.
يضرب أبناءه وخدمه بحبال مبللة ويصلح أعطاب قنوات المياه
لم يكن أحد من زوار الحسن الثاني,مهما بلغت أهميته,يعرف ما كانت عليه الحياة داخل قصوره,لقد كانت تلك هي القاعدة حتى لو تعلق الأمر برؤساء الدول والملوك من أصدقائه,أو كبار الوزراء الذين كان الحسن الثاني يدعوهم لحفلات أعياد ميلاده أو نهاية السنة,فكل هؤلاء من كبار الضيوف وغيرهم لم يكونوا لا معشار حميمية حياة الحسن الثاني.
كيف لا وقد كانوا يجهلون كل شيء عن الحياة الخاصة للحسن الثاني,وأبعادها السرية,وانشغالاتها,وارتباطاتها وتناقضاتها.لم يكونوا يعرفون مثلا أن الملك السابق للمغرب كان يعيش في عالم تؤثثه عشرات النساء,تسهرن على خدمته بشكل خاص,وأنه كان قادرا على ضرب واحد من خدامه-أو أحد أبناءه-بواسطة حبال مفتولة ومبللة في الماء والملح,وفي نفس الوقت البرهنة على أريحية مذهلة من خلال وبشكل سري,اتجاه أسرة أحد الخدم تعيش ضنك الحياة وأيضا ارسال خادم آخر الى مستشفى الامراض العقلية,متهم بنسج علاقة غرامية مع احدى نساء حريمه,كما يمكنه-أي الحسن الثاني دائما-أن يعهد لخدمه بمهام سرية. انه نفس شخص الحسن الثاني العقلاني المهووس في ذات الآن يالتنجيم,الذي حمل حول معصمه سلسلة تحميه من الأرواح الشريرة,كما أنه كان قادرا على تقديم الدليل أن بامكانه أن يكون قاسيا بشكل رهيب,حيث كان قادرا على اظهار أن لديه قلبا من حجر,وفي نفس الوقت ارسال مءات العشرات من المغاربة المجهولين الى مكة للحج على نفقته,كما أن ذلك السيد المتعالي والمنطلق(مطلوق) المحاط على الدوام بجيش من الخدم,كان مدبرا ممتازا لأعطاب البيت,حيث كان قادرا على القيام بدور العامل الرصاص(بلومبي) لاصلاح عملية تسرب للمياه,أو النقاش حول نوعية خلطة اسمنت,ولا يفوت أية فرصة للتأكيد على أنه فنان فريد من نوعه,كما كان يرسم تصاميم سيارات,وعمارات,ويخترع أشكال مجوهرات,ويصمم نماذج من ألبسة نسائية كان يضطلع بتنفيدها مزودزه الأوروبيين باخلاص,وكان يؤدي أتعابهم عدا نقدا,نعم لقد كان ذلك يتم بشكل متأخر لكنه لم يكن يتنصل من الأداء. لقد كان هناك ظل أساسي يخيم على حياة الحسن الثاني وأبنائه,حيث كان مسدودا عليها بباب ضخم والمفتاح الوحيد كان دائما يوجد معه.
باب ضخم موصود ومفتاحه بيد الملك
كان الحسن الثاني ملكا رحالة.فقد كان لديه ما يناهز عشرين قصرا رهن اشارته موزعة على مختلف المدن المغربية من طنجة حتى أكادير,ومن مراكش الى افران,مرورا بالدار البيضاء..قصور كبيرة,بعضها كان حميميا,قصور ملكية في ملكية الدولة,وأخرى خاصة أو فيلات مصممة على أساس أنها قصور,مخبأة خلف أسوار ضخمة,محروسة ليلا ونهارا من طرف رجال مسلحين,كما أنه-أي الحسن الثاني-كان يملك اقامات فاخرة بالخارج,منها اثنان على الأقل بفرنسا,وهي”آرمان فيليي” في الضاحية الباريسية وبها مائتا غرفة,واقامة”بيتز”الأقل شساعة نسبيا.ان القصر الاكثر أهمية,وان لم يكن المفضل,وهو ذلك الذي يوجد في الرباط,فهو رمز عمراني لسلالة العلويين الحاكمة,ويتعلق الأمر بمدينة قائمة الذات,بأزقتها وشوارعها,ومصحة ومقبرة ومجزرة وثانوية,واسطبل ومسبحين,وملعب غولف به ثمانية عشرة حفرة,وملاعب كرة المضرب,وفيلات وغابة وسجن,انها مدينة غافية ومهجورة,ينحصر وجودها في الغالب,ضمن الخرائط السياحية في بقعة بيضاء غامضة.انها بقعة بيضاء محروسة جيدا…فعند أي باب من ابواب القصر ثمة حراسة,وبشكل مكثف.فهناك يتلاقى بشكل متزامن رجال الأمن الملكي,والمظليون وعناصر الألوية الخفيفة للأمن,والتابعين أيضا لقيادة الجيش,وخدام القصر”المخازنية” أو”لفرارج” كما يلقبون بسبب الشاشية الحمراء والبذلة البيضاء.
اقامات الأمراء والأميرات
ان القصر الملكي بالرباط يحيل على ديكورات قصص الكاتب الأرجنتيني لويس خورخي بورخيص عالم من التهويمات والأشياء المصطنعة والمتاهات.ففي رحاب القصر,ومخافة وقوع انقلاب,فان ما يشكل أهمية يتم اخفاؤه,وما ليس كذلك يترك مكشوفا فأبواب خشب الأرز المنحوتة البالغة الضخامة تفضي الى ساحات فارغة,والممرات في منعطفات أكثر من أي شيء آخر,أما الأبهاء فلا تنتهي الا لتضيع,في حين ان المداخل المجهولة والأسوار التي لا أبواب لها,والأدراج الضيقة,يمكن أن تفضي الى قدس الأقداس,أي الاقامات الخاصة للملك.
من أجل الدخول الى قصر الرباط,فانه كان على رواده الحميميين من الأمراء والأميرات,وكذلك الخدم ألا يأخذوا المذخل الرئيسي,بل باب مرآب(كاراج) يوجد الهامش,ويفتح على موقف السيارات وبناية مجهولة حيث يقضي السائقون والحراس الشخصيون سحابة يومهم.والاسطبل ليس بعيدا,عن ذات المكان,والذي توجد فيه العربة الملكية.ثمة أيضا غرفة أخرى يشغلها”مخازنية” وهم رجال يفعلون كل شيء,مثل جلب الغذاء لجراء(كانيش) الأميرات,أو حمل الزرابي الكبيرة حينما ينتقل الملك,أو مناولة كؤوس الشاي لضيوف الحسن الثاني,أو حراسة أبواب القصر الملكي من الداخل,انهم هناك للقيام بشتى المهام و المنزل الصغير حيث أقام محمد السادس,في فترة المراهقة,يوجد على بعد خطوتين,وهو مشيد على نفس مقاسات علو باقي البنايات الأخرى,وبه حديقة.منزل صغير ومغر وبمرافق لا مبالغة فيها صالة الطعام,ومطبخ وغرفة للأمير,وأخرى مزودة بسريرين لأصدقائه.وحينما نال ولي العهد شهادة الباكالوريا ذهب الى قصر الرميلات بضواحي سلا,ليتسلم أخوه الأصغر رشيد البيت.أما حين كان الأميران صغيرين فقد كانا يعيشان بشكل اكثر قربا,فيما يسمى داخل القصر ب” اقامة الأمراء والأميرات”وفيما بعد فرض الحسن الثاني على ابنيه الرحيل الى مكان آخر لأنه لم يكن يريد أن يستمر أبناؤه,بعد سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة,في الالتقاء بالفتيات اللواتي كن ملازمات للأميرات.و اقامة الأمرء عبارة عن مسكن كبير أبيض بحواجز تفصلها عن باقي بنيات القصر المتوجة أسوارها بالقرميد الأخضر,كل أبناء الحسن الثاني أقاموا في ذلك المكان بشروط اسبرطية
اذا ما واصل المرء السير عبر الطريق المحفوفة بالورود,والتي تؤدي بالتدرج هبوطا الى الفناء الداخلي للقصر,فسيصل الى المصحة التي ولد فيها أربعة من الأبناء الخمسة للحسن الثاني.وهناك أيضا يتلقى هذا الأخير العلاج حسب نوعية المرض وبشكل مناسباتي.صحيح لقد كان يجهد نفسه ليبدو كما لو كان بصحة من حديد, غير أنه كان يعاني من اضطرابات هضمية, مقيمة ومؤلمة أصيب بها في بداية خمسينات القرن الماضي حينما كان الى جانب والده بجزيرة مدغشقر,وذلك خلال نفي محمد الخامس بين سنتي 1953و1955 من طرف المستعمر الفرنسي.و يسير المصحة أطباء يوغسلافيين, ولا شيء ينقصها قاعة العمليات,مختبر التحليلات الطبية,جهاز السكانير,الصيدلية,صالة لعلاج الأسنان,وذلك في الطابق السفلي,بمعية بضع غرف,وثمة أيضا صالة أخرى لعلاج الأسنان,بالاضافة الى غرف أخرى,مؤثتة ومعتنى بها جيدا,حيث تأتي اليها لفيف من خبيرة الأطباء الفرنسيين والأمريكيين مرة كل شهرين من أجل كشف صحي على الحسن الثاني,كما أن طبيب أسنان القصر كان يأتي من الخارج,وبالجوار تسكن آخر خليلات الملك محمد الخامس,فحينما توفي هذا الأخير جراء عملية جراحية عادية سنة 1961 كان رجلا حيويا في العقد الخامس من العمر, أما محظياته فكانت كل واحدة منهن في نحو الثلاثين.وبعد مرور قرابة أربعين سنة مازالت هناك نحو عشرين منهن تسكن المكان,وقد بلغت معظمهن سن السبعين,كان الحسن الثاني يعاملهن باحترام,كل واحدة منهن تتوفر على شقة ومسبح قريب وحديقة,وسائق يسهر على مشترياتهن من وسط المدينة,كان السكرتير الخاص للملك يصرف لهؤلاء النسوة اللواتي لا معين لهن,وليست لهن أسر ولا موارد,رواتب ببضع مئات آلاف الدراهم,كل شهر ليتمكن من الاستمرار في الحياة,هؤلاء الخليلات القديمات,هن الزبونات الأساسيات للبقال والخباز والجزار,الذين يأتون كل صباح لفتح دكاكينهم الصغيرة داخل رحاب القصر.
على مبعدة من هذا المكان ببضعة أمتار,يبدأ حي آخر,وهناك توجد قاعة العرش حيث يلقي الملك خطبه,ويعقد ندواته الصحافية,وهناك أيضا تجري اللقاءات الرسمية,والأحاديث الدينية خلال شهر رمضان.وبنفس الفضاء,على الأخص خلف حيطان غير معروفة ونوافذ ضئيلة,تختفي الاقامات الخاصة للحسن الثاني,حيث تعيش عشرات النساء,وأبناء الحسن الثاني الذين كانوا يأتون,كل واحد بدوره,للسلام على والدهم,حسب ما تقتضيه أعراف البروتوكول,وباستثناء ثلاثة من الأشخاص الذين يضطلعون بالترفيه عن الملك بضعة خدم كبار في السن,صامتون مثل القبور…باستثناء هؤلاء لا أحد يحط قدميه فيلك المكان,وحينما يكون ضروريا تبديل أحد مصابيح الكهرباء,أو مد احدى الزرابي الجديدة,فان العمال الملحقين بالقصر يدخولون عين المكان لكن يرافقهم دائما أحد أفراد عبيد العافية,وهو واحد من سلالة عبيد العافية القصر السود.
ويا ويل العامل الذي يتجرأ على رفع عينيه تجاه النساء اللواتي يجدهن في طريقه,اذ ان قلب القصر سجب أن يظل غير محترق,لم يكن هناك أي مستشار أو وزير أو رئيس دولة مهما كان مقربا مسموحا له أن يتقاسم العالم الحميمي والسري للحسن الثاني.
كان الحسن الثاني يعيش في الطابق الخامس والأخير ضمن بناية بلون أبيض مخضب.ومن هناك,وعبر ممرات أقل أو أكثر سرية,وسراديب خفية,وأبهاء غامضة,حيث يمكن الالتحاق بأجزاء من القصر دون أن يكتشف أحد ذلك,والذهاب الى المصحة,والالتحاق ببنايات محظيات محمد الخامس,بل أيضا,كما تفيد بذلك بعض الشائعات مغادرة القصر الملكي خفية,غير ان سيد المكان-أي الحسن الثاني-هو الذي كان يعرف وحده التصاميم السرية للمداخل والمخارج وطرق استخدامها,كما كان الشأن أيضا بالنسبة لباقي القصور والاقامات,بواسطة مفتاح متعدد الاستعمالات,الذي كان له وحده الحق في استعماله وحيازته,حيث لم تكن هناك أي باب لا يستطيع فتحها.و الطابق الخامس عبارة عن صالونات متسلسلة,ومكاتب وغرف نوم,وحمامات حيث تتمشى نساء بأقدام عارية,يرقبن من أبواب غرفهن,في انتظار أن ينادي عليهن الملك بكلمة”ايه”باترة.في بعض الغرف ثمة صور كبيرة معلقة أو مسنودة الى الجدران,تثير الانتباه.يتعلق الأمر برواق لصور الحسن الثاني,ومن صورة الى أخرى تتنوع الأوضاع والديكورات وتختلف,وفي بعضها كان هناك أحد أفراد أسرته الى جانبه,غير أن الملك يظل هو الشخصية المحورية,ان تلك الصور في انتظار عملية توزيعها على الأقرباء هي الكثيرة بحيث بالكاد يمكن ملاحظة أن الحيطان المغطاة بقطع قماش باللونين الأخضر والأصفر,حسب موضة سنوات السبعينات,تتقاطع بعنف مع غطاء الأرضية ذي اللون البني,وأحمر الزرابي الصوفية.أما السقف فتتأرجح منه الثريات الايطالية المزودة بمصابيح محمية من التفحم.
في كل الغرف تقريبا ثمة تدفئة لفصل الشتاء ومكيف للصيف,أما الأثاث فيقتصر على كرسي وجهاز تلفاز موصول بموزع فيديو داخلي,ففي بعض الليالي يكون الحسن الثاني محاطا بنساء حريمه لمشاهدة مسلسلات أمريكية مثل”ديناستي” أو”دلاس”…الخ,وفي العديد من الغرف ثمة أكداس من الهدايا التي لم يتم فتحها أبدا,ورزم الجرائد والمجلات الاجنبية,من”لوفيغارو”و”لومند”والاكسبريس”و”لوبوان” مرورا بمجلات الغولف وأسبوعيات العمال الأنغلوساكسونية,عشرات العناوين,بالمقابل فان مكاتب وصالونات وغرف الحسن الثاني مزدحمة بسلال المهملات حيث تتكدس ساعات موشاة بالماس وأيقونات الصلاة من العاج وولاعات فضية…والمجموع يمنح الانطباع بجوطية باذخة.غير أن الاكثر مدعاة للدهشة في الطابق الخامس,هو المسبح المكشوف,الذي يتوفر على مساحة محترمة,وماؤه دافىء,غير أن الحسن الثاني لم يكن يستفيد منه أبدا.لقد توقف عن السباحة في مستهل سنوات ثمانينات القرن الماضي بعد موت الرقم الثاني في النظام- رسميا في حادثة سير-ونعني به الجنرال أحمد الدليمي,حيث كان الحسن الثاني يعيش في خوف مقيم من عملية انقلاب جديدة,وبالتالي خوفه من أن يفاجئه أحد وهو في وضعية غير لائقة مرتديا مايوه سباحة ودون اية وسيلة للدفاع في مواجهة انقلابين محتملين.
الرؤية بانورامية من الطابق الخامس,فهي تمتد عبر ملعب الغولف-الذي يسمى بالحديقة بتواضع مصطنع أو لاحساس بالحرج-من ذلك المكان العالي كان الحسن الثاني يراقب كل شيء متزودا بمنظار مكبر,فمن محطة المراقبة تلك كان يراقب عمليات المجيء والذهاب من خلال مختلف مداخل القصر,وفضاء اللعب في ساحة الاستراحة بالمدرسة الملكية,والزيارات التي تتم الى اقامة ولي العهد,والتحركات في مكتب المستشارين,لا شيء كان يفلت عن محيط بصره.
كان الحسن الثاني يرتاد قاعة السينما بشكل مكثف,وحينما يفعل تقتفي أثره.وأقربهن اليه تحمل بين يديها ما يشبه حقيبة يوجد بداخلها مسدس الملك.وبمجرد ما يتم اطفاء الأنوار تلتحق الخادمات بقاعة العرض دون احداث ضجيج.
كانت تعرض أفلام الرعب والمغامرات,وقد كانت أمه تفضل أفلام الهنود الحمر,كان الحسن الثاني يفضل ألان دولون وكاترين دونوف ولويس دو فينيس,وسين كونري وأفلام التاريخ القديم المصورة خلال سنوات الستينات المدبلجة بالفرنسية,وكذلك افلام الجمهور وعشاق السينما,ذلك لأن الملك كان يفضل كل الأنواع.وفي مواجهة قاعة السينما كان هناك بهو من رخام أبيض يؤدي الى صالة استقبال,تتوسطها نافورة,المكان مخصص للأعياد الكبرى الرسمية,حيث كان الحسن الثاني يلتقي التهنئة من النساء و جزء من أفراد أسرته.
هناك أيضا قاعة عرض سينمائية,مصبوغة باللونين البني والليموني,تم اعدادها في صالون قديم بالطابق السفلي.حيث يستطيع الحسن الثاني أن يدلف اليها عبر مصعد مخصص له,انطلاقا من غرف نومه بالطابق الخامس.في القاعة المذكورة,ثمة نحو خمسين مقعدا,يوجد في وسطها كرسي الملك,بلون مختلف.وأمامه طاولة وضع فوقها جهاز هاتف ومطفأة سجائر,ومسبحات.
لم يكن الحسن الثاني يحب قصر الرباط حيث كان مرغما على قضاء شهور من السنة,كما كان يكره قصر طنجة الموجود في منطقة متمردة,سحق تمرد أهلها ضد الملكية في نهاية سنوات الخمسينات من القرن الماضي,وحينما أصبح ملكا فانه لم يذهب الى قصر عروس الشمال سوى مرة واحدة.كما أن قصر أكادير لم يكن يروق له,مع أن هذا الاخير,يعتبر قطعة معمارية بديعة, بزخارفه الزليجية,ومنمنامته المعقدة,ذلك لأنه على اعتقاد راسخ بأن صحراويي البوليساريو والجزائريين حصلوا على تصميماته حين تشييده. أما قصر دار السلام حيث تم تشييد حديقة يابانية,فقريب جدا من العاصمة,في حين أن قصر الدار البيضاء المزود بقاعة ندوات,وبأنفاقه الجديرة بمحطة ميترو,فانه بلا روح بالرغم من حدائقه الشاسعة المناسبة للاستقبالات.أما قصر فاس فيتوفر هو الآخر على حدائق شاسعة.غير أن ذكرى محمد الخامس ملتصقة جدا بالمكان,بالقدر الذي لا يجعل بال ابنه مرتاحا حينما يقيم به,وهناك اشاعات تفيد أن قصر فاس الملقب بقصر المآسي,تسكنه الأشباح,كما هو الشأن بالنسبة لقصر مكناس. واذا كان يحصل للحسن الثاني أن يقيم عدة أشهر في السنة,بالأخص أثناء فصل الربيع,بقصر فاس فان ذلك كان لسبب عملي,ذلك لأنه انطلاقا من هناك كان بامكانه الالتحاق بأماكن أقل فخامة,لكنها نستهويه حقا,مثل الضيعة التي يملكها عند مدخل المدينة.وهي موجودة بالقرب من عين مياه دافئة كما انها-أي الضيعة-معروفة لدى أهل القصر بثمارها الخلوية اللذيذة,ومتانة خضرواتها وطزاجة حليب أبقارها التي يتم تعهدها في عمق الموسيقى الكلاسيكية.كان الحسن الثاني يحب التجول في هذه الضيعة,ومنح توجيهات تتعلق بالمجال الفلاحي,والاستماع للشروحات التقنية,انه يتوفر على روح فلاح كما كان يقول عن نفسه.
على بعد بضع عشرات من الكلومترات من مدينة فاس,وبالتحديد في مدينة افران,بعمق الأطلس المتوسط,يملك الحسن الثاني قصرا شيد بطريقة معمارية غريبة,لذا فقد لقبه خفية بعض المحيطين بالحسن الثاني ب”قلعة دراكولا”.القصر اياه ليس شايعا كما باقي أغلب القصور الاخرى,لذا فان على الخليلات أت ينمن أربعتهن أو خمستهن في نفس الغرفة على مقربة,من القصر,في فيلات,ذلك لأن الحسن الثاني كان حريصا على تسوير حميمياته.
يشعر الحسن الثاني في مدينة افران بالأمان,حيث ان قصره ذو اللون الرمادي المشيد على سفح الجبل وبدون أية طريق مهمة على الجوار,تحيطه السرية ومن السهل حمايته.وفي هذا القصر عقد الحسن الثاني لقاءه الشهير مع رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق شيمون بيريز سنة 1986.كان يحب بالأخص المدينة الصغيرة بسقوفها المنحدرة.كان يحلو له أن يلصق لحيته المستعارة بذقته ويرتدي بنطلونا باليا,ويضع نظارة غامقة,وستند على عكاز ليتنكر في هيئة رجل مسن ثم ينزل الى المدينة ليثرثر مع سكانها. وانطلاقا من افران يلف الحسن الثاني في المنطقة,حيث لا يشاهد في محطة التزلج بمشلفين,اذ كان يفضل عليها مواقع المياه المعدنية والأحواض المائية الغاصة بالسمك.وحينما كان يذهب عند بداية الظهيرة لاصطياد سمك الترويت او التنزه أو للعب الورق(الرامي) مع أصدقائه الحميمين,فان المنطقة المجاورة تكون محرمة على كل من لا ينتسب للقافلة الملكية,أما فيما يتعلق بالخليلات,اللواتي يتم نقلهن بواسطة حافلات مجهزة بشكل جيد(واحدة منها كانت عبارة عن هدية من أمير سعودي وهي مجهزة بمصعد داخلي)فانه لا يكون حتى حلول آخر النهار,حيث يعلن الملك عن العودة.و الحسن الثاني يحب أيضا الاقامة في مراكش,فهذه المدينة تكون رطبة وجافة في فصل الشتاء,وهو طقس كان يناسبه,ويملك في عين المكان اقامتين فخمتين القصر الملكي واقامة”الجنان” في قلب النخيل بمعزل عن الأنظار,وهناك تكدست أكوام الهدايا التي منحن له على مدى الفترة الطويلة التي استمر خلالها حكمه.
الطابقان السفليان,حيث قلما ينزل الحسن الثاني,مخصصان للخليلات ول’أم الأمراء” كما تلقب زوجة الحسن الثاني,مادام أن لقب الملكة غير موجود في المغرب.تتوفر السيدة لطيفة على اقامة شاسعة بطابقين.وبجوارهما نحو ثلاثين استديو مجهز بشكل جيد حيث تقيم محظيات الحسن الثاني,والممرضات الفيليبيات الشابات اللواتي منحهن له الرئيس الفيليبي السابق فيرديناند ماركوس,وكذلك مدلكات الحسن الثاني وهن من أصول كورية أو يابانية.كل الاستوديوهات متشابهة غرفة نوم,بهو بأرائك صغيرة,صالة حمام وقاعة استقبال.وثمة صور موضوعة كديكور للحيطان,لا تتعلق بأفراد الأسر الذين تركوهن في الخارج,فهؤلاء لا وجود لهم حينما يكون الأمر متعلقا بالعيش في ظل الملك,بل بصور رسمية لهذا الأخير وهو في هيئة ملكية أو محاطا بأفراد أسرته.وكل النساء(الحريم) مطالبات في حالة مرافقة الملك في أسفاره,بأخذ تلك الصور معهن كما لو تعلق الأمر بأيقونات ثمينة. وفي الأسفل ثمة العديد من الحجرات المقفلة التي تستخدم كمستودعات.مخاون الألبسة القفطان وفساتين الظهور الطويلة الخاصة بالنساء,ومستودعات قمصان وأحذية الملك المصنوعة كلها على المقاس بايطاليا,ومخزن خشب الصندل الذي يعتبر القصر أكبر مستهلكيه,وهناك في الأخير مخزن الأوراق النقدية,النقفل بطريقة غرفة بنك مصفحة,وثمة بداخله غرفة تتوفر على رزم العملة الفرنسية والسويسرية والألمانية والدولار…مرتبة بعناية في أكياس بلاستيكية.والمجموع بعدة ملايين من الدولارات.
كان الحسن الثاني يقضي عادة أعياد نهاية السنة في قصر مراكش,هدا الأخير الذي كان قد تعرض في نهاية سنوات الثمانينات لحريق ارادي تسببت فيه احدى الخليلات,وكاد يأتي على القصر برمته(وبطبيعة الحال لم تتعرض الجرائد المغربية بكلمة للحدث كما كان الشأن بالنسبة لكل الأمور المرتبطة بالقصر وأهله).ولم يكن الحسن الثاني يجد أية غضاضة في أن ينسب نفسه لسلالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم,واتخاذ لقب” أمير المؤمنين” وفي نفس الوقت الاحتفال بأعياد رؤوس السنوات,وبطبيعة الحال لم يكن هناك مجسم للمهد المسيحي في القصر,ولكن نبات”سابان” وخادم متنكر في شكل الأب نويل وجبال من الهدايا التي كان الملك يوزعها على الأطفال,بدون تمييز,وبتلك المناسبة كان لأطفال المدرسة الملكية الحق في تناول البيض بالشوكولاطة.أما بمناسبة اختتام آخر لحظة في آخر يوم من السنة فان الحسن الثاني كان يمنح للمئات من ضيوفه المغاربة أو الأجانب,الذين تتولى مصلحة البروتوكول دعوتهم,ويتم اسكانهم في فندق المامونية ليلة لا تنسى. فالأكل يتم جلبه من فرنسا,والأوركسترا والمشاهد الراقصة من الولايات المتحدة الأمريكية,أو امريكا اللاتينية.غير أن هذا لا يمنع من أن الرجال كانوا في جانب والنساء في جانب آخر,يفصل بينهم حاجز موضوع,والملك وحده الذي يشكل صلة الوصل,يرتدي سموكينغ ومزاج رائق.يشرع في العزف على الساكسوفون,ويجلس الى آلة البيانو كما يقود الأوركسترا العازفة,ويرقص التانغو أو”شا-شا”أو”رومبا”مع ضيوفه انه الرجل الوحيد الذي بامكانه الرقص. وفي اليوم الموالي صباحا لا يتم نسيان,أي واحد من حاضري الحفل الملكي,حيث تذهب النساء ومعهن حقائب مستحضرات الزينة من النوع الثمين,أما الرجال فتكون من نصيبهم معدات الكترونية,أو ساعة أو جهاز تلفاز صغير
★ حصريا : كواليس يوم وداع المغفور له الحسن الثاني لشعبه الوفي ★
ماذا حدث يوم توديع المغفور له الحسن الثاني لشعبه الوفي ، نعم كيف نقل إلى المستشفى ؟ و كيف كانت الأجواء ؟ ما هي آخر كلمة قالها ؟ و ما هو آخر أمر أمره ؟ و ما هو رد فعل سيدي محمد ( الملك محمد السادس حاليا) ؟ كيف تصرف إدريس البصري عند تلقيه الخبر ؟ البيعة التي كتبت بدموع المدغري و من أول من بايع محمد السادس ؟ الخطيب و مناقشات قبة النصر في القصر ليلة وفاة الحسن الثاني؟ و ما سر إختفاء “خاتم الحسن الثاني” ؟ البصري: اتصل بي الملك ليلة مماته وطلب مني كتابة بيان لطمأنة الشعب على صحته .
أغلقت جميع المنافذ المؤدية إلى المستشفى وعطلت جميع أجهزة الاتصالات تحول المبنى إلى قلعة حصار الداخل
إليها مفقود والخارج منها مفقود
بدأ يوم الجمعة 23 يوليو من عام 1999 عاديا بمستشفى ابن سينا بالرباط. انتهت حركة الزوار داخل الأجنحة، وبدأ العاملون داخل المستشفى من أطباء وممرضين يباشرون عملهم اليومي الذي لا يشبه دائما عمل الأمس، فالحالات الطارئة متوقعة في كل لحظة، والسرعة واليقظة والاستعداد للتضحية بالوقت أمور مطلوبة في مهنة تسابق الخطر للحفاظ على الحياة. لم ينتبه العاملون داخل المستشفى ذلك النهار متى تحول مبنى أكبر وأقدم مستشفى في المغرب الى قلعة محاصرة الداخل إليها مفقود والخارج منها مفقود.
يتذكر أحد العاملين الذي كان حاضرا يومها أن الساعة كانت قد تجاوزت الحادية عشرة عندما حاول الاتصال بزميل له بجناح آخر بنفس المستشفى على هاتفه النقال، وعندما تعذر عليه ذلك حاول أن يطلبه على الهاتف الأرضي داخل المستشفى، فأخبرته موظفة “الستاندار” بأن كل الخطوط معطلة. وداخل الأروقة والأجنحة، لاحظ العاملون والمرضى حركة غريبة لأناس غرباء احتلوا المبنى يمنعون الدخول أو الخروج من وإلى الأجنحة.
بدأ العاملون بالمستشفى يطلون من النوافذ بعد أن منعوا من مغادرة أماكن عملهم، وفي باحة المستشفى أمام مدخله الرئيسي كانت سيارات كبيرة بيضاء وسوداء من نوع “فاركونيت” تقف متكدسة في الساحة التي ضاقت بما رحبت، وما بين هذه السيارات والمدخل الرئيسي لجناح جراحة القلب، نشطت حركة دؤوبة لأفراد من موظفي
القصر لم تكن العين لتخطئهم بجلابيبهم البيضاء و>شاشياتهم< الحمراء، كانوا يقومون بإنزال أشياء لا أحد يعلم ماهيتها يحملونها داخل أواني >الطيفور< التقليدية على رؤوسهم، وكأن الأمر يتعلق بعرس أو بحفل تقليدي أو بمناسبة من تلك التي تتطلب حمل الهدايا داخل >الطيفور
عندها سرت إشاعة وسط العاملين مفادها أن الملك يوجد بالمستشفى، هنا تضاربت التكهنات حول سبب وجوده، وأقل الناس اكتراثا بما كان يحدث حولهم اعتقدوا أن الملك جاء لعيادة أحد الشخصيات الكبيرة داخل الدولة من نزلاء المستشفى. فقد اعتاد الملك آنذاك على عيادة كبار الشخصيات بنفس المستشفى، ويتذكر العاملون بهذا المبنى يوم حضر الملك بدون سابق إنذار الى جناح جراحة القلب وأصر على صعود السلم الى الطابق الخامس، لأن المصعد كان معطلا، لعيادة كل من الشيخ خطري ولد الجماني، الذي كان مصابا بشلل نصفي وعبداللطيف الفيلالي الوزير الأول آنذاك، الذي نقل الى المستشفى نفسه على إثر إصابته في حادثة سير بطريق زعير بالرباط، وشخصية أخرى كبيرة داخل الدولة، وكان الثلاثة يرقدون بالجناح نفسه. لكن يومها لم تتخذ أية إجراءات استثنائية داخل المستشفى، فالملك بنفسه لم يفضل الحضور في الموعد الذي كان مقررا للزيارة وهو الثانية عشرة ظهرا، وفي المساء عند الساعة الخامسة فاجأ الجميع بحضوره في مراسيم أقل ما تكون عادية. وآخر مرة زار فيها الملك آنذاك نفس المستشفى ونفس الجناح كانت قبل شهور قليلة فقط، عندما حظر بنفسه لعيادة الوزير الأول عبدالرحمان اليوسفي بعد إجراء عملية جراحية على الدماغ. ورغم أن هذه العيادة اتخذت طابعا رسميا، لأن الملك كان يريد من خلالها إرسال رسائل لطمأنة الشعب على صحة الوزير الأول، إلا أنها تمت هي الأخرى في ظروف شبه عادية.
كانت اللحظات تمر متثاقلة داخل أجنحة المستشفى، ومع مرور الوقت كانت الإشاعات تتناسل والتكهنات الأكثر مأساوية تسيطر على الرؤوس المشرئبة من النوافذ والمقطوعة عن العالم الخارجي ترتقب ما ستحمله الساعات المقبلة من مفاجآت لم يعد التنبؤ بمأساويتها خافيا على جل العاملين بالمستشفى، الذين فاجأهم التصرف الغريب لموظفي
القصر الذين انتابت حركتهم فوضى عارمة، وهم يعيدون الأثاث الذي حملوه قبل ساعات الى داخل المستشفى، يرمون به في حركات منفعلة داخل السيارات التي أقلتهم وانطلقت مسرعة عائدة من حيث أتت.
كان الجناح المخصص لجراحة القلب، أكثر الأجنحة الذي ضربت عليه حراسة مشددة، ولم يسمح بدخوله إلا لكبار الأطباء الاختصاصيين، لذلك لم يتسن لباقي العاملين بالمستشفى أن يعرفوا ما يجري بداخله، حتى وصلت الى سمعهم صرخة امرأة مدوية أقرب الى الولولة منها الى الصراخ، هزت أركان المستشفى ورددتها الممرات الباردة حتى بعثت القشعريرة في الأجساد التي أنهكها الانتظار ونهشها القلق. عندها فقط سيخرج من يقول …