افتتاح مهرجان فاس للموسيقى الروحية بحضور الأميرة لالة حسناء

انبثقت موسيقى الروح من رحم الأسوار العتيقة، واكتست ليلة الجمعة 16 ماي 2025 بهالة من الصفاء، إيذانا بانطلاق الدورة الثامنة والعشرين من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، تحت شعار: “انبعاثات”.
وشكل حضور صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء حفل الافتتاح في ساحة باب الماكينة لحظة رمزية فارقة، أكدت عمق الرعاية الملكية لهذا الموعد الثقافي والروحي.
في حضرة الأسوار التاريخية، تابعت سموّها عرضا فنيا ساحرا نقل الجمهور في رحلة عبر القارات والتقاليد، حيث امتزجت الأصوات والأنغام والرقصات، واختلطت الأهازيج والرقصات بالأضواء والرسوم الضوئية التي حيكت بخيوط الذاكرة الجماعية، على خشبة باب الماكينة التي تحولت إلى مسرح مفتوح عابر للقارات، في عرض افتتاحي حالم، عبر عن روح هذه الدورة التي تمتد لتسعة أيام كاملة.
اجتمع جمهور من مختلف بقاع العالم لمتابعة هذا الموعد الثقافي الدولي، حيث تجلت فلسفة “الانبعاثات” في لوحات إبداعية مزجت بين الروحاني والجمالي، احتفاء بانبعاث مدينة فاس الثقافي والروحي من قلب التاريخ، حيث تابع الجمهور رحلته الليلية التي جسدت روح الدورة: من الانبعاثات الفردية إلى الانبعاث الجماعي، ومن الطبيعة إلى المقدس، ومن فاس إلى العالم.
وتناول العرض الإنسان في كل تجلياته الروحية والثقافية، من خلال فسيفساء موسيقية مستهلها مع إشعاع فاس، مرورا بالطقوس الصوفية بإفريقيا والجزيرة العربية والمحيط الهندي، وصولا إلى الصحوة الأوروبية التي أطلقها عصر النهضة الإيطالي، حيث نُسج العرض بعناية، ليحاكي انبعاثات الإنسان كمتتالية من الشذرات، تتقاطع فيها الجذور والمعتقدات، احتفاء بالتعدد.
البداية احتفت بجامعة القرويين، أقدم جامعة في العالم، في تجسيد لعمق ارتباط المدينة بالتاريخ والمعرفة والروح الدينية.
ومن العالم العربي، أبهرت مجموعة “أريج” العمانية الحضور بأناشيدها الصوفية، في مقدمة للصلاة على رسول الله، بينما قدّمت مجموعة الشمائل المحمدية للأمداح النبوية، عرض “السماع” الصوفي، برئاسة إسماعيل بوجية، في حوار موسيقي مفعم بالروحانية.
أعرب عمر البريكي، المشرف الفني بفرقة “أريج” العمانية، عن سعادة الفرقة للمشاركة للمرة الثالثة في مهرجان الموسيقى الروحية.
وأكد البريكي، في تصريحه لـSNRTnews، أن تجربة المشاركة في هذا الحدث الفني تعد بوابة للتلاقي الثقافي والتواصل بين الشعوب، مضيفا أن فاس مدينة تعبق بالتاريخ، والمهرجان يمنح للفن العماني الصوفي فرصة للانفتاح على جمهور متعطش للتنوع والتلاقي.
وعبر إسماعيل بوجية، رئيس مجموعة الشمائل المحمدية للأمداح النبوية، عن اعتزازه بالمشاركة في دورة هذه السنة، ممثلا مدينة مكناس، مبرزا أن عرض المجموعة كان “تعبيرا عن القيم الدينية التي تجمع الناس على الكلمة الطيبة، ونشرا لمشاعر الإخاء والتعايش والسلام، وهي رسائل يحملها هذا الفن منذ قرون، ويحرص على صونها جيل بعد جيل.
كما حضرت إفريقيا من خلال عروض لمجموعات فنية متنوعة، من بينها رقصة طقوس النمور من الكوت ديفوار، ومريدو السنغال، وطبول بوروندي الشهيرة، إلى جانب مشاركة نساء من جزيرة مايوت في طقس “ديبا” الصوفي، الذي يحتفي بمولد الرسول.
كما أضفى الفنان المالي حبيب ديمبيلي لمسة سردية على الحفل، في دور “الحكواتي”، بأسلوبه المتميز.
وتتميز هذه الدورة بحضور إيطاليا كضيف شرف، في احتفاء يجسد روح التبادل والحوار بين ضفتي المتوسط. وتأتي هذه الاستضافة في إطار اختيار يعكس الشعار الذي يحمله المهرجان هذا العام، “انبعاثات”، إذ تسلط الضوء على مرحلة النهضة الإيطالية التي شكلت لحظة تحوّل فارقة في تاريخ أوروبا نحو الحداثة.
ويعد حضور إيطاليا بالمهرجان فرصة لإحياء روابط ثقافية قديمة، كتوأمة فاس وفلورنسا منذ عام 1961، في لحظة رمزية تكرس فاس كعاصمة روحية للمغرب ومفترق طرق للحوار بين الإسلام والمسيحية واليهودية، وترسخ في الآن ذاته التفاهم المتبادل بين الشعوب من خلال لغة الفن.
كما عبرت المغنية والعازفة والميزو-سوبرانو باتيستا أكوافيفا، التي أدت عرضا مخصصا للسيدة مريم العذراء، عن تأثرها الكبير بتفاعل الجمهور، مشيرة إلى أن هذه أول مشاركة لها في المهرجان.
وقالت باتيستا أكوافيفا، في تصريح لـ SNRTnews: “اللحظة كانت مفعمة بالمشاعر، والانسجام بين الموسيقى والفضاء التاريخي جعل التجربة فريدة من نوعها، وكأننا نعيد إحياء الجمال الروحي في لحظة واحدة”.
كما تقاسم عدد من الزوار، إعجابهم بالأجواء التي طغت على حفل الافتتاح، مؤكدين أن المهرجان يواصل ترسيخ مكانته كفضاء للعبور بين الثقافات.

المصدر: snrtnews.com

قد يعجبك ايضا
اترك تعليقا